الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 424 - الجزء 1

  مطالبون بتصحيح أصله الذي تفرع ثبوت حجيته عليه، على أنا نستظهر بالإجماع على إثبات مذهبنا بأن نركب الدليل على مسلك لا يسلكه المجبر القَدَرِي، ولا يتأتى لذلك الأَفَّاك المفتري، وهو أن نقول: إن الإجماع على عدالة الرسل $ يستلزم عدالة المرسِل لهم؛ فيكون من باب الاستدلال بثبوت التابع على ثبوت المتبوع، ويكون هذا كقولهم: كرامات الأولياء معجزات للأنبياء، واستلزام عدالة المرسِل لا تتأتى على القول بالجبر؛ لأنه يقال: لو صح أن يخلق الكذب لصح أن يرسل الكاذبين، لكنه قد انعقد الإجماع على صدق الرسل، وهو في منزلة قولك: لكنه لا يرسل الكاذبين بالإجماع، فيجب أن لا يفعل الكذب من باب الأولى؛ لأن المرسِل لن يعلم من حاله أنه سيكذب دون الأمر بالكذب في القبح، والآمر به دون فاعله في القبح، ومن ثم يقال: ليس على الآمر مع وجود المباشر، وعندهم أن الله تعالى خالق كل كذب؛ فلزم أن لا وثوق بما أخبر به سبحانه على ألسِنَةِ الرسل، وهذا واضح.

  لا يقال: هذا من باب الاستدلال على ثبوت الأصل بثبوت الفرع، وهو ممنوع.

  لأنا نقول: إنما يكون ممنوعاً إذا لم يعلم حكم الفرع إلا من جهة ثبوت حكم الأصل؛ لاستلزام التوقف، وليس هذا منه؛ لأنا أثبتنا حكم الفرع بالإجماع لا بتفرعه على الأصل المطلوب إثباته، ثم استدللنا بثبوت الفرع المعلوم لدينا ثبوته بالإجماع على إثبات الأصل الذي وقع فيه النزاع، فيكون كما قيل: كرامات الأولياء معجزات للأنبياء، يعنون الكرامات التي علمت بمشاهدة أو تواتر، لا إذا كان لا طريق إلى العلم بها إلا مجرد خبر النبي المطلوب إثبات نبوته بمجردها فقط، وهذا واضح لمن تأمله، إلا أنه على سبيل الاستظهار؛ لتوقف ثبوت حجية الإجماع على صدق المبلغ دليلها، لكنا قد أثبتناه بدليل ثبوت العدل من أنه لا يصح من الحكيم أن يرسل من لا يؤمن منه الكذب، وليس هذا من مقول