[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  ما ذكرنا، بخلاف هؤلاء القوم، فإنهم قالوا بذلك، ولم يَقِفُوا عند حده ولا دانوا بموجبه، بل تركوا العمل به وعملوا بخلافه، واتبعوا ظواهر المتشابهات من الآيات الكريمة، واعتمدوا الشواذ من روايات الأحاديث الضعيفة، وأسانيد أهل الابتداع وأعوان الظلمة، ورجحوها على صرائح الآيات المحكمة، والأحاديث المعلومة برواية الموالف والمخالف، وما ظنك بقوم عدلوا عن سفينة نوح، وتركوا الدخول من باب حطة وباب السلم المفتوح، قرناء الكتاب وحجج الله على جميع خلقه إلى يوم الحساب.
  فهذا ما نوجهه ونقدمه في وجوه القوم عند إرادتهم الاستدلال بالسمع على سبيل الإجمال، ثم نأخذ بعدهم في تتبع شبههم السمعية، ونبطلها شبهة شبهة على سبيل التفصيل، {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي الْسَّبِيْلَ}.
  قالوا: قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}[الأنبياء ٧٣] {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}[القصص ٤١] {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}[البقرة ١٢٨] {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ}[إبراهيم ٤٠].
  قلنا: الجعل: الوصف، كقوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا}[الزخرف ١٩] {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ}[النحل ٥٧]، فيَحتمل في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}، أي: وفقْنَاهم لما فيه الصلاح والفلاح، وهو تعلم العلم النافع ومكارم الأخلاق، حتى صاروا أئمة يقتدى بهم في الدين، ويَحتمل نَصبْنَاهم ووليناهم وجعلنا الأمر إليهم، وسميناهم وحكمنا لهم بالأمانة؛ لَمَّا كانوا صابرين على تحمل أثقالها والقيام بواجباتها، ومعنى {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} أي: سَميناهم وحكمنا عليهم، أو نُزِّل التمكين والإمهال بمنزلة الجعل؛ لمشابهته له في عدم الإلجاء إلى الترك، وفي قول إبراهيم #: {رَبِّ اجْعَلْنِي} أي: وفقني أو احكم لي وسمني بأني مقيم