[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  الصلاة؛ لأن ذلك شائع كثير، كما قال تعالى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا}[التوبة ٤٠]، وتقول: جعلتُ كلامَ زيد صحيحاً، أي: دَلَّلتُ وبينت على صحته، فالجعلُ وإن ورد بمعنى الخلق كما في قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}[الأنعام ١] فقد ورد لمعان أُخر(١) كما ذكر، فيكون من المتشابه الذي يجب حمله على ما يوافق المحكم كما ذكر، ويقال للمخالف: أتزعمُ أن الجعلَ لا يأتي إلا بمعنى الخلق أم تسلم أنه مشترك؟ إِن قلت بالأول لم يستقم لك في قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ}، وإن قلت بالثاني بطل الاستدلال؛ لأن المشترك من المتشابه، وعندكم لا يعلم تأويله إلا الله.
  قالوا: قال الله تعالى: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}[البقرة ٢٥٠].
  قلنا: لا بد من ترك ظاهرها؛ لأن الإفراغ إنما يعقل في الأجسام، وأكثر وقوعه في المائعات دون الصَّبْر ونحوه من سائر المعاني فإن الإفراغ فيه مجاز، كناية عن التوفيق والتسديد والمعونة بما معه يصبرون وتثبت أقدامهم عند لقاء عدوهم حتى لا يفروا، مبالغة وتمثيلاً، كأن قد أذيب الصبر وأفرغ على الأقدام فلزمت مصافها، وهذا من أبلغ الكلام وأفصحه، على أنه إنما هو دعاء، والدعاء لا يستلزم الوقوع.
  قالوا: قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا}[الرعد ١٥] فصرح بأنه يكره على الطاعة، وفي ذلك ما نريد.
  قلنا: لا بد من ترك ظاهرها؛ لاقتضائه أن جميع ما خلق الله في السماوات والأرض يسجدُ هذا السجود الحقيقي الشرعي، ومعلوم أن ذلك لا يتأتَّى من الجمادات والبهائم ونحوها، ولأن المعلوم أن أكثر أهل الأرض كفار لم يفعلوا
(١) في (أ): آخرات.