[الصحابة والقول في عدالتهم]
  الثاني: الحكم بجرح العدالة لكل من أحدث عهده أو بعده ÷.
  وبعد إقامة الأدلة على كلا الطرفين يعلم بطلان ما عداه من جميع الأقوال المذكورة.
  أما الطرف الأول: وهو الحكم بالعدالة وأنها الأصل فيهم فلأن المعلوم من دين كل نبي ضرورة أنَّ مَن صحبه واقتدى به فلا شك في عدالته ونجاته، والقرآن ناطق بذلك، قال تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} الآية [التوبة ١١٧]، وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ١٠ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ١١}[الواقعة]، وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[الحديد ١٠]، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ٢٩}[الفتح ٢٩]، ولقوله ÷: «طوبى لمن رآني»، وغيرِ ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على عدالتهم وأنها الأصل فيهم، وبذلك يبطلُ قول الخطابية الذين حكموا بجرحهم جميعاً قبل الفتن وبعدها، ويبطلُ قول عمرو بن عبيد حيث حكم بجرح جميعهم بعد وقوع الفتن، ويبطلُ قول الباقِلَّاني حيث حكم في المستور منهم - وهو الذي لم ينقل عنه ما يجرحه ولا ما يقضي بعدالته - بالوقف في شأنه؛ لأن الآيات والأحاديث قد حكمت بعدالة من صحب النبي ÷، وهو لم يجعل للصحبة أَخَصِّيَّةً تثبتُ العدالةُ لمجردها، بل جعل الصحبة وجودها كعدمها حتى يُنقَلَ عن ذلك الصحابي ما يقتضي تعديله من ملازمته للواجبات واجتنابه المحرمات فَيحكم له بعد ذلك