[فصل:] في الكلام في القضاء والقدر وغيرهما من المتشابه
  العبد المؤمن، والشر إلى الشيطان وإلى الكافر، وتمدحون وتذمون على ذلك.
  قلنا: لم نقل إن ذلك بالطبع، وإن الله والمؤمن لا يقدران على الشر، وإن الشيطان والكافر لا يقدران على الخير؛ فلم يحصل وجه الشبه.
  وبعد، فأنتم لا تخالفونا أن الخير يسند إلى الله تعالى وإلى المؤمن، ووقوع المدح على ذلك، وأن الشر يسند إلى الشيطان والكافر، ووقوع الذم على ذلك، وإنما تخالفونا بأن تقولوا: والله خالق وفاعل لأفعال الجميع، ومريد لها ومقدرها.
  قالوا: بل أنتم القَدَرِيَّة؛ لأنكم تقولون: إن لكم قُدْرَةً على أفعالكم.
  قلنا: فكان يلزم أن يقال: القُدْرِيَّة بضم القاف، والأحاديث والآثار واردة بفتحها، فهي من القَدَرِ لا من القُدْرَةِ. وبعد، فأكثركم لا يخالف في ثبوت القدرة للعبد، وإنما نفاها قدماؤكم وهم الجهمية، وأثبتها جمهور متأخريكم، وإنما الخلاف بيننا وبينهم في أحكامها كما مر، فالإلزام مشترك، فما أجابوا به فهو جوابنا.
  قالوا: فأنتم تقولون بالقَدَر في أفعالكم أنكم قَدَّرْتُمُوهَا، وأن الله تعالى قَدَّرَ أفعاله الأجسام والأعراض الضروريات، وقَدَّرَ أفعال العباد بمعنى كتبها وأعلم بها وحكم فيها.
  قلنا: أما قولنا: إنا قدرنا أفعالنا فنريد بذلك إيجادها على مقدار مخصوص، وقد قال تعالى لداود #: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ}[سبأ ١١]، فلا محذور في ذلك، وأما سائر ما ذكرتم فالإلزام [كما ذكرتم](١) مشترك، فما أجابوا به فهو جوابنا. وبعد، فإنا لم نلهج بذلك ولم نولع به، وأنتم تلهجون بالقدر في كل قضية، وتنسبونه إلى الله تعالى في كل معصية، ومن لهج بشيء سُمِيّ به؛ ولذلك يقال لمن لهج وأولع بالتمر واللبن: تمري لبني.
  فثبت أن القَدَرِيَّةَ هم المجبرة، وهم كل من قال: إن الله خلق أفعال العباد
(١) ما بين المعقوفين غير موجود في (أ).