الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في القضاء والقدر وغيرهما من المتشابه

صفحة 469 - الجزء 1

  وقد نقل أئمتنا $ وغيرهم عن السلف جماً غفيراً من الآثار، والقصد التنبيه لطالب الرشاد؛ إذ لا ينفع التطويل من ارتكب متن العِنَاد.

  دلت هذه الأحاديث والآثار على أن القدرية هم هذه الطائفة المجبرة الذين ينسبون إلى الله تعالى أفعال العباد، ويزعمون أنه الذي أوجد المعاصي وطغى في البلاد فأكثر فيها الفساد؛ لأن في بعضها التصريح بأن القدرية هم الذين ينسبون أفعال العباد إلى الله تعالى، وفي بعضها تشبيههم بالمجوس، ولا تجد في المسلمين مذهباً يشابه مذهب المجوس إلا مذهب هؤلاء المجبرة، وذلك من وجوه:

  أحدها: أن المجوس يفعلون المعاصي ويقولون: هي من الله كما مر في الحديث: جاء رجل إلى رسول الله ÷ فقال: رأيتهم - يعني المجوس - ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم، فإذا قيل لهم: لم تفعلون؟ قالوا: قضاء الله وقدره، فقال ÷: «أما إنه سيكون في أمتي قوم يقولون مثل ذلك».

  وثانيها: أن المجوس يذمُّون ويمْدَحُون على ما لم يكن فعلاً للمذموم والممدوح؛ لأنهم يقولون: إن يزدان - الذي هو الباري بزعمهم - حدث عنه كل الخير بطبعه، ولا يقدر على تركه، ولا على الشر، ويستحق على ذلك المدح، والعكس في إهرمن - وهو الشيطان - حدث عنه كل الشرور بطبعه، ولا يقدر على تركه، ولا على الخير، ويستحق على ذلك الذم.

  وثالثها: أن المجوس يجوزون تكليف ما لا يطاق، وأنهم إذا أرادوا ذبح بقرة أتوا بها إلى شاهق فيقولون لها: انزلي لا تنزلي، ثم يقولون: قد عصت فيذبحونها. وحكى القرشي ¦ في المنهاج أنه تشاجر عدلي ومجبر فيمن القدرية، فجاءوا إلى مجوسي فقالوا له: يا مجوسي ممن المجوسية؟ فقال: من الله، فقال العدلي: أَيُّنَا يوافقه؟

  قالوا: بل مذهبكم يشبه مذهب المجوس؛ لأنكم تنسبون الخير إلى الله وإلى