الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يكلف أحدا ما لا يطيق،

صفحة 481 - الجزء 1

  وهذا في الحقيقة يؤول إلى الذم لا إلى المدح؛ حيث لم يترك ذلك ديانة، لكن قد حكى القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري ¦ وغيره من أصحابنا المتأخرين رجوع الغزالي إلى مذهب الزيدية في جميع ما يذهبون إليه، وإنما ذكرنا هذا تنبيهاً على أنه لا محصول لتعليل المنع بعدم الداعي.

  نعم، واختلف أهل العدل هل قبح تكليف ما لا يطاق معلوم ضرورة أو استدلالاً، فقال أبو الحسين والشيخ محمود وشارح الأساس: العلم بذلك ضروري شاهداً وغائباً. وقال الجمهور: بل العلم بذلك استدلالي، وكلام الأمير # يحتمل الأول؛ حيث اقتصر على قوله: (لأن تكليف ما لا يطاق قبيح، وهو تعالى لا يفعل القبيح). ويحتمل الثاني؛ حيث عطف على ذلك بقوله: (وقد قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} والوسع دون الطاقة) يدل عليه قول الشاعر:

  كَلَّفْتُها الوسعَ في سَيْرِي لها أُصُلاً ... والوسْعَ منها دُوَيْنِ الجُهْدِ والوَخَذ

  أراد بالجهد ما يجهد الناقة من السير، وهو أحثه، ودونه الوخذ - بالخاء المعجمة مفتوحة - وهو السير السريع دون الجهد، والوسع: السير بلا مشقة ولا سرعة.

  (وقال تعالى): {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا (إِلا مَا آتَاهَا}) [الطلاق ٧]، وهاتان الآيتان نص صريح أن الله تعالى لا يكلف ما لا يطاق، فأين يتاه بالمجبرة قبحهم الله وتعالى عنهما؟ وفي معناهما قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}⁣[البقرة ١٨٥]؛ إذ لا عسر فوق تكليف ما لا يطاق، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}⁣[الحج ٧٨]، ولا حرج أعظم من تكليف ما لا يطاق، وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}⁣[التغابن ١٦]، وقال ÷: «إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». قال شيخنا صفي الإسلام ¦: ولو ادعينا الضرورة من الدين لأمكن.