[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يكلف أحدا ما لا يطيق،
  قلت: هو معلوم من الدين ضرورة، وإنما خالف هؤلاء المجبرة إيثاراً لأصولهم المنهارة على الآيات والأحاديث المتواترة، وإلا فأي شبهة تقدح أن الغني الحكيم لا يطلب من الفقير والضعيف ما لا يجده ولا يقدر عليه؟ فقاتلهم الله أنى يؤفكون.
  واستدل الجمهور على أن الله لا يكلف ما لا يطاق من جهة العقل بالقياس على قبح تكليف أحدنا الأعمى بنقط المصحف نقطاً محكماً متقناً، وتكليف المقعد الجري مع الخيل الجياد، بل يقبح أمره بالقيام والمشي الخفيف، وهذا واضح.
  شبهة القائلين بالجواز: أنه تعالى غير منهي ولا يقبح منه شيء من الأفعال التي تقبح في الشاهد، وجعلوا الآيات المذكورة والأحاديث دالة على عدم التكليف بما لا يطاق من المحال في ذاته، ولم تخلق القدرة عليه كالجمع بين الضدين والطيران، دون أن تدل على أنه تعالى تركه لقبحه وقدحه في العدل والحكمة لو صدر منه تعالى، فهو كمن يصف زيداً بترك الزنا وشرب الخمر وسائر المعاصي عجزاً عنها لا تديناً وتورعاً.
  لا يقال: ليس هذا وزانه؛ لأنه تعالى غير عاجز عن ذلك.
  لأنا نقول: قد جعلوا عمدة استدلالهم كونه تعالى غير منهي، فلزم كونه تعالى غير قادر على فعل القبيح؛ لاستحالة وجود الناهي له، فانتفى منه فعل القبيح لتعذره منه لا لكونه قادحاً في عدله وحكمته ورحمته بعباده، وهذا واضح فتأمل.
  وبعد، فلا خلاف بينهم الجميع أن الله تعالى خلق الكفر في الكافر ولم يخلق فيه الإيمان، وهو مكلف به وهو لا يقدر عليه؛ لعدم خلق القدرة فيه عليه، أو لخلق الكفر الذي يستحيل وجود الإيمان معه، فقد وقع التكليف بما لا يطاق، فلا ثمرة في مخالفتهم إخوانهم القائلين بوقوعه، ولا معنى لتلك الآيات الكريمة والأحاديث القويمة، بل قد صارت لغواً والحال ما ذكر.