مسألة:
  حجة الجمهور أن كلا الأمرين لا مانع من أيهما، ولا أن يعلم الله المصلحة في أحدهما دون الآخر أو استوائهما فيها، ونحن لا نعلم أيهما تمخض لجانب المصلحة ولا الاستواء، فيجوز الأمران، ولا دلالة تقتضي لزوم أحدهما. فأما استدلال أهل القول الثاني من قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة ١٧٩]، وقصة قتل الخضر # الغلام - فلا دلالة في ذلك على محل النزاع؛ لأن الحياة المذكورة ليست للمقتول لو لم يقتل، وإنما هي لمن عدا المقتص منه من سائر الخلق، والمراد بها حياة سليمة عن المخاوف والفتن والتعرض للسبيل والعدوان؛ دليله التنكير، أي: حياة عظيمة طيبة، كقوله تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[النحل ٩٧]، وليس المراد أنها تحصل للمخاطبين بالقصاص حياة على حقيقتها التي هي ضد الموت؛ بدليل أنها حاصلة لهم قبل القصاص، بل حال الخطاب، بل قبله، وبدليل أنهم ليسوا محل النزاع، وإنما محله هو المقتول الأول والمقتص منه لو لم يقتلا هل كانا يعيشان قطعاً أو يموتان قطعاً كل منهما في الحالة التي قتل فيها؟ فهذا أمر لا قاطع فيه على أحدهما. وأما قتل الخضر الغلام فقتله عن أمر الله تعالى، فهو كما لو مات حتف أنفه، فكيف يقال: إن قتله خرم أجل؟ وأما كونه لو بقي لأرهق أبويه طغياناً وكفراً فغايته الإخبار في حق هذا الغلام بأحد الأمرين الجائزين، ولا يلزم طرد المسألة في حق غيره، على أن ذلك من كلام الخضر # معللاً بمجرد الخشية، أي: مظنة أن يرهقهما، وليس في ذلك ما يدل على المطلوب قطعاً.
  وأما ما استدل به أهل القول الثالث من أنه لو بقي المقتول حياً بأن ترك قتله لكشف عن الجهل؛ حيث علم الله أنه يقتل في ذلك الوقت فانكشف أنه حي - فالإلزام لازم للجميع؛ لأن المفروض أنه علم الله أنه سيقتل فانكشف عدم القتل وأنه مات في ذلك الوقت حتف أنفه.