الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

مسألة:

صفحة 565 - الجزء 1

  فإنهم أنكروا التحسين والتقبيح رأساً، وجعلوا الفعل لله تعالى، فلا معنى لتقسيمه إلى مصالح ومفاسد حتى تحسن البعثة للتعريف بها.

مسألة:

  وتحسن البعثة سواء كانت بشريعة مبتدأة، أو لتجديد شريعة مندرسة، أو لتأكيد ما قد علم عقلاً كمسائل التوحيد والعدل، أو لمجرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. خلافاً لأبي هاشم ومن وافقه من الزيدية، فقالوا: لا تحسن إلا حيث يعلم بها ما لم يكن قد علم قبلها.

  قلنا: لا مانع من حسنها في جميع ما ذكر.

  قالوا: تصير عبثاً؛ لأن التجديد والتأكيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم به غير الأنبياء $ كالأئمة والعلماء، والعدل والتوحيد بعد ثبوتهما لدى المكلف لم يصر كلام النبي أبلغ في ثبوتهما مما قد ثبتا لديه بالعقل.

  قلنا: إنما يصير الفعل عبثاً حيث عري عن غرض صحيح أصلاً، لا إذا كان فيه غرض صحيح وإن كان غيره من الأفعال أو غير فاعله يقوم مقامه، كالتعزيز بنبي ثان وثالث، ولقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}⁣[الأنبياء ٢٥]، وقوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}⁣[إبراهيم ٥٢]، ولأن العقليات وإن علمت بالعقل ففيها الضروري والاستدلالي، ولهوى النفس وعظم البلوى وغموض الدلالة النظرية قد يخطي النظر، وقد يحمل حب الرئاسة والكبر على ارتكاب القبائح العقلية، وقد توقع شبه أهل الإلحاد والظلمة على الناظر فيخطي وجه الحق في المسألة، فحسن بعثة الأنبياء لإثارة دفائن العقول فيما خفي، والزجر عن مخالفة الحق فيما قد ظهر، وهذا لا إشكال فيه، وهو مقتضى نصوص جمهور أئمتنا $ وقواعدهم.