الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الفرق بين المعجز والسحر]

صفحة 584 - الجزء 1

  الضلال والبهتان؟ فسبحان من خلق سيد الكلام وأحكم آيه أي إحكام، فهذا ما ظهر في الشاهد الأول لناقص الفهم وقاصر العلم.

  وأما الشاهد الثاني: فشأنه أبهر، وبراهينه أظهر، وفوائده أكثر، فلا نطيل الكلام في نشر ذلك مع وضوح أكثر ما هنالك، غير أنا نذكر ما لا بد منه، ونحيل العلم بما عداه على القياس بما ذكر في الشاهد الأول.

  فنقول: لما كان الكلام فيه بالنظر إلى ما قبله - وهي قصة قوم لوط - من باب الفصل ذكره بلا عاطف يقتضي وصل هذا الكلام بما قبل فقال: {قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}⁣[النمل ٥٩]، ولم يقل: وقل الحمد لله، ولم يقل: وقل سلام، لأنه لم يسبق أمر بقول ولا غيره فيعطف هذا عليه، فجرد الواو عن قوله: {قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ}، وأتى به في قوله: {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ} وحذف الأمر بقل في: {وَسَلامٌ} فيما شمله الأمر، بالقول الأول فالتقدير: قل الحمد لله وقل سلامٌ على عباده الَّذِينَ اصْطَفَى، وقابل التعريف بالتنكير؛ لأن المقصود من الحمد الشمول والاستغراق، والمقصود من السلام التعظيم دون الشمول والاستغراق؛ لأن السلام لا يختص به المصطفون من العباد كالملائكة والأنبياء والأوصياء والأئمة، بل يشاركهم فيه سائر المؤمنين، إلا أنه في حق المصطفين سلام أي سلام، يعني سلام عظيم المقدار جليل الاعتبار لا يناله إلا الذين اصطفى، والمراد بالسلام هاهنا التبجيل والتعظيم والتشريف والتفخيم، لا مجرد السلامة من العقاب والذم والاستخفاف، فذلك داخل ضمناً فيما ذكر من التبجيل ونحوه؛ لذلك لم يقل: وسلام على عباده المؤمنين ولا عطف المؤمنين على الذين اصطفى فيقول: وسلام على عباده الذين اصطفى وعلى المؤمنين؛ لئلا تفوت نكتة التعظيم الذي هو للمصطفين على سائر المؤمنين، ولئلا يكون ذلك شبهة للجبابرة وأهل العصيان في دعوى الدخول في التسليم بأنهم من جملة المؤمنين، ثم قال: {ءآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا