[الفرق بين المعجز والسحر]
  آية {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} بقوله: {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}، ولم يأمر الرسول بالجواب كما أمره في قوله: {قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}؛ لأن المقام في هذه الآية لا يقتضي أحد الأمرين؛ لعدم وجود الجواب عندهم لما ذكرنا من التعليل، ولعدم صحة أن يقال: قل الله خير؛ لأنه نفس المدعى، ولم يقرن قبله بما هم مقرون به حتى يكون برهانه كما في {قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}، فلما كان الأمر كذلك مع علمه ø إصرارهم على عبادة الأصنام واعتقاد إلاهيتها أخذ ø في محاججتهم ومناظرتهم بالآيات المسرودة بعد هذه الآية إلى قوله: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الأعراف ١٩٠]، وذكر فيها ø من الحجج الباهرة والآيات الظاهرة إحدى وعشرين حجة، بين أجناس عامة يدخل تحتها ما لا حصر له من الأنواع والمفردات، وبين أنواع عامة تتناول ما يدخل تحتها من المفردات المتفقات والمختلفات ما لا حصر له، وبين جزئيات تتناول ما وضعت له وما ماثله في حقيقته وماهيته، وقدم الأعظم منها فالأعظم، والأفهم فالأفهم؛ كون ذلك أبلغ في اللطفيّة وأنجع في الوعظية، على أن كلها عظيمة وجميعها فهيمة وحجتها قويمة، وضم كل حجة من تلك الحجج إلى ما يشاكلها ويناسبها في العطف ويناسقها في المعنى، وجمعها في آية أحسن مبدأها ومختمها وفاصلتها، وأتقن مبناها ومساقها تالية لمماثلتها، وأورد كل آية مصدرة بـ «أم» و «من»؛ ليفيد السؤال التوبيخي وطلب التعيين من فاعل تلك الأفعال العظيمة هل الله تعالى أم الأصنام؟ وختم هذه الآية بما يقتضي عنادهم وتمردهم وذمهم على ذلك بأبلغ وجه، فقال عز من قائل في الآية الأولى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}[النمل ٦٠]، فذكر في هذه الآية ست حجج لا يقدر الخصم على إنكار شيء منها وجوده في