[الفرق بين المعجز والسحر]
  ذاته، ولا أن شيئاً غير الله تعالى يقدر على شيء منها.
  وقال في الآية الثانية: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[النمل ٦١]، فذكر في هذه الآية أربع حجج، وصدر الآية الأولى بالخلق وهذه بالجعل لما كانت الأولى لبيان موجد ذات السماوات والأرض ونحوهما، والثانية لما تضمنته من تصيير الأرض على تلك الأحوال، ومن جملتها وأعظمها آية أن جعل بين البحرين حاجزًا مع كونهما معاً من المائعات التي من شأنها الاختلاط، وذكر الجميع في الآيتين بصيغة الماضي كون ذلك قد وقع وإن كان فيها ما يستمر كإنبات الأشجار وإجراء الأنهار، بخلاف الآيات التي ستأتي فأكثرها للحال أو الاستقبال فجعلها بصيغة المضارع.
  فقال في الآية الثالثة: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[النمل ٦٢]، فذكر في هذا الآية ثلاث حجج متناسبة المعاني متناسقة المباني.
  وقال في الآية الرابعة: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[النمل ٦٣]، فذكر في هذه الآية أربع حجج كلها عظيمة الإنعام، جليلة القدر عند أولي الأفهام.
  وقال في الآية الخامسة: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[النمل ٦٤]، فذكر في هذه الآية أربع حجج كلها واضحة الاحتجاج، ظاهرة الابتهاج.
  فهذه الآيات الخمس شملت إحدى وعشرين حجة بالصراحة والمطابقة، فأما بالتضمن والالتزام فأكثر من أن تحصر وأجل من أن تذكر، وجعل فاصلة كل آية مناسبة لما ذكر في تلك الآية من تلك الحجج، حيث جعل فاصلة الأولى {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} يعني عن الحق مع وضوحه في خلق السماوات والأرض وإنزال