الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الفرق بين المعجز والسحر]

صفحة 589 - الجزء 1

  عما يشركون وإلا فأتوا برهانكم على صدق دعواكم لو أمكن صحتها مع بعدها واستحالتها. وجعل الفواصل من عند الآية السابقة - وهي قوله: {ءآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} - إلى رابعة الخمس اللاحقة على قافية واحدة، وهي الواو والنون الموضوعتين لضمير العقلاء مخاطبين أم غائبين، وأبدل الواو بالياء في خامسة الآيات اللاحقة؛ لأنه خبر كان يجب نصبه بالياء مراعاة لاجتناب عيب الكلام بالنظر إلى ذاته، وهو اللحن؛ إذ هو أقبح عيوب الكلام عند النحاة والعرب، دون مراعاة القوافي والسجع؛ إذ ذلك ليس إلا من باب محسنات الكلام بعد سلامته عن العيوب واشتماله على الفصاحة والبلاغة عند أهل المعاني والبيان، فكان الإتيان بالياء دون الواو على الوجه الواجب عند الجميع. فهذان الشاهدان قد ارتقيا في الفصاحة أعلى مكان، وأخذا من البلاغة ما يعجز عنه الثقلان، وتضمنا من الحجج العقلية والبراهين اليقينية ما عنده تقصر أصول المتكلمين، وتفتر مقدمات المنطقيين، غير أنه حسن منهم رحمهم الله تعالى تحرير تلك الأصول وبناؤها على المقدمات والنتائج؛ لما وضع أهل الإلحاد شبههم على ما هو من جنسها في الصورة والتركيب؛ لأن السحر لا يبطل إلا بمثله، ولكنما هذا الحلال من السحر، ولأن كثيراً ممن كذب بالقرآن لا يصغي إلى استماع آيات الله، ولا ينقاد لتدبر كلام الله. وإنما ذكرت هذين الشاهدين وإن طال بهما الكلام لأن كثيراً من الأصحاب المنتهيين والطلبة الراغبين يذكرون على جهة الإجمال والمسلمات أن إعجاز القرآن في فصاحته وبلاغته التي يعجز عنها جميع الخلق، ثم يقتصرون على الجمود وعدم تحقق⁣(⁣١) الفصاحة والبلاغة إلا ما كان من المتكلمين من الاستشهاد على وجودهما جملة بعجز المشركين عن المعارضة، مع احتمال أن العجز كان لأمر غيرهما مهما لم يذكر ما يدل ويستشهد به على وجودهما في أعلى مراتبهما التي


(١) هنا نقص كلمة لم أستطع قراءتها؛ لأنا مقطوعة.