فصل: في الكلام في المسائل التي يجب عل المكلف معرفتها واعتقادها في القرآن الكريم
  وأما السمع: (فلقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}[التوبة ٦]) وهذا أصلٌ أول للدلالة.
  والأصل الثاني: قوله: (والمعلوم أن الكلام الذي سمعه المشركون ليس غير هذا القرآن).
  أما الأصل الأول فهو صريح الآية؛ فلا يحتاج إلى مزيد عناية في تقريره. وقد زعم المخالفون أو بعضهم أنه إنما سماه كلام الله مجازاً؛ لأنه عبارة عن كلامه القائم بذاته تعالى. وهذا تأويل باطل؛ لأن الواجب حمل الكلام على حقيقته، ولا يجوز العدول عنها إلى المجاز إلا لمانع، فأي مانع ثبت لهم عن أن يقال: القرآن كلام الله؟ فثبت أنه لا صحة لهذا التأويل إلا المذهب الذي لا صحة له.
  وأما الأصل الثاني - وهو أن الكلام الذي سمعه المشركون ليس شيء(١) غير هذا القرآن - فقد استغنى المؤلف عن ذكر الدلالة عليه بكونه معلوماً، وكأنه يريد معلوماً من حيث إنه لا مخالف أن المراد بالآية حتى يسمع القرآن، وإن ادعى المخالف أن تسميته كلام الله مجاز. أو أنه معلوم بالاستقراء والتتبع ماذا كان يسمعهم الرسول ÷ حتى يعلم أنه كان يسمعهم القرآن. أو أنه معلوم بالتواتر أنه كان يسمعهم إياه. والكل صحيح الاعتبار. ويزيده وضوحاً أنه لا شيء يمكن الإشارة إليه أنه كلام الله أُمِر الرسول أن يسمعه من استجاره من المشركين غير القرآن.
  دليل آخر على كون القرآن كلام الله تعالى الحقيقي، وهو ما ذكره # بقوله: (ولأن المعلوم ضرورة) من جهة التواتر وإجماع الأمة الموالف والمخالف (أن النبي ÷ كان يَدِيْنُ) أي: يعتقده ديناً له (ويخبر) الأنام جميعاً (بذلك) أي: بأن القرآن كلام الله، ولم يظهر من كلامه ÷ أنه إنما قصد التجوز في تسميته
(١) شيئًا. ظ.