الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[ضروب الواجبات التي كلف الله المكلفين بها]

صفحة 62 - الجزء 1

  لأنا نقول: هَبْ⁣(⁣١) أن الأمر كما ذكرت في قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} الآية، لكن في تعليق الكفر بالنعمة في قوله تعالى: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} مع قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه} دَلالة على أن الاعترافَ بالنعمة لا يَكفي في الخروج عن شكرها حتى يمتثل جميع ما أُمِرَ به ونُهِيَ عنه، وإلا لقال: أفبالله أو بالأنبياء أو بالمعاد هم يكفرون، ولَمَا تعرض لذكر النعمة؛ لأنهم قد اعترفوا بها واعترفوا بفاعلها. ويدل عليه أيضاً قوله ÷: «يا أبا ذر، إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد، ولكن أَمسوا تائبين وأصبحوا تائبين». أخرجه المؤيد بالله # في سياسة المريدين، وقام ÷ حتى ورمت قدماه فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً»، وقال أمير المؤمنين #: (الإيمان قول مقولٌ، وعمل معمول، وعرفان بالعقول)، وقال الشاعر:

  أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضميرَ المحجبا

  وقد سبق في صدر الكتاب ما يفيد أن الخشية والطاعة تكون على قدر المعرفة بالله تعالى، فثبت بجميع ذلك أن معرفة الله شكر ولطف، ولا وجه لقصرها على أحدهما، على أنه يقال لمن قصر وجوب المعرفة على كونها لطفاً فقط فيقال له: لطفاً في ماذا؟

  فإن قلتم: في الواجبات العقلية التي هي رد الوديعة وقضاء الدين وترك الظلم والكذب.

  قلنا: فقد يمكن أن يفعلَ هذه الملحد ومَن لا يعرف الصانع، لا تديناً، بل لأجل الاعتبار ومعاشرة الناس واستصلاح المعيشة، وقد يمكن أن يقوم التقليد مقام المعرفة في اللطف فيها، وكثير من الخلق ليس عنده وديعة ولا دَين، ولا


(١) أي: افرض وقدِّر. (من الأصل).