الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[ضروب الواجبات التي كلف الله المكلفين بها]

صفحة 63 - الجزء 1

  يكون من جهته ظلم ولا كذب إلا نحو ما يصدر مثله من بعض المسلمين، فلا تجب المعرفة حينئذ.

  وإن قلتم: لطفاً في أداء الواجبات الشريعة.

  قلنا: الواجبات الشرعية لا تجب إلا بعد معرفة المرسل وصدق المبلغ، فكيف يعلل إيجاب الأصل بالمحافظة على الفرع الذي لا يجب إلا بعد ثبوت أصله؟

  وقد علل أبو علي وجوب معرفة الله في أحد قوليه بأن في تركها جهلًا به تعالى، والجهل به قبيح. وهذا لا يكفي في الدلالة حتى يُعرفَ الوجهُ الذي لأجله قبح الجهل به تعالى؛ لأن ليس كل جهل قبيح لذاته، فإن العلماء بل الأنبياء $ يجهلون كثيراً مما يعلمه الله تعالى، قال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً}⁣[الإسراء ٨٥]، فيقال: وجه قبح الجهل بالله تعالى أنه يستلزم الإخلال بشكره، أو عدم الالتطاف في أداء الطاعات واجتناب المحرمات؛ فيعود الكلام إلى ما ذكرناه. واعترضه صاحب شرح الأصول - وهو السيد مانَكْدِيْم⁣(⁣١) # - باعتراض آخر، وهو أن قال: إن ذلك لا يَستقيمُ - يعني إيجاب المعرفة بالله تعالى لقبح الجهل به تعالى - إلَّا لو لم يمكن الانفكاك عن القبيح إلا إلى المعرفة، فأما ومن الممكن أن ينفك المرء عن القبيح لا إلى المعرفة بألَّا يفعلها ولا ما يضادها فإن ما ذكره لا يستقيم.

  قلت: وهذا الاعتراض لا يرد إلا إذا كان مرادُ أبي علي بالجهل الجهلَ المركب، وهو اعتقاد المعلوم على خلاف ما هو عليه، فيمكن الانفكاك عنه لا إلى المعرفة، فأما ومراده نوعي الجهل معاً: المركب، كاعتقاد المشبه، والبسيط، كمَن لم يثبته تعالى بتجسيم ولا تنزيه، ولا تَعَرَّضَ للكلام فيه تعالى بنفي ولا إثبات


(١) اسم أعجمي معناه وجه القمر ولعله غلب عليه، وهو: أحمد بن الحسين بن أبي هاشم الحسيني ششديو من ولد عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب $.