الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[بقية الباب الثالث]

صفحة 36 - الجزء 2

  وبعد، فإن مذهب المخالف في الفروع أنه يجوز غزو الكفار إلى ديارهم مع غير إمام، ولعل هذا من ذاك فكيف يتوصل به إلى صحة إمامة فاعله؟!

  وأما قتاله مانعي الزكاة: فمانعو الزكاة على ضربين كما هو مذكور في كتب التواريخ والأخبار:

  أحدهما: أصحاب مالك بن نويرة، اعتقدوا أن الزكاة أمرها إلى الإمام ولم يعتقدوا إمامة أبي بكر، فجمعوا زكواتهم إلى رئيسهم مالك بن نويرة، فأمرهم أو فرقها على فقرائهم، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد وجهز معه من جهزه من العساكر حتى غلبوهم وقتلوا فيهم وقتلَ مالك بن نويرة، فتزوج خالد امرأته ودخل عليها بليلتها ولم تمض عليها عدة، فأشار عمر على أبي بكر بعزل خالد وتأديبه فيما ارتكب من المعصية، فلم يساعده أبو بكر إلى ذلك.! وإذا كان الأمر كما ذكر فكيف يعد ذلك مندوحة لأبي بكر؟ وما هي إلا مظلمة وسيئة يعظم وزرها عند الله ويدوم عارها عند خلقه.

  والضرب الثاني: هم بنو حنيفة، اعتقدوا أن الزكاة أمرها إلى الرسول ÷ مدة حياته، وليس فيها ولاية للإمام بعده؛ لأن ظاهر الآية يقضي بذلك، حيث قال سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها}⁣[التوبة ١٠٣]، وقوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}⁣[التوبة ١٠٣]، فقالوا: ليست صلاة أبي بكر سكناً لنا؛ فلا يلزمنا نسلمها إليه، فقاتلهم أبو بكر، وفي جواز قتالهم مع كونهم متأولين نظر، وقد كان الواجب أولاً دعاءهم إلى الحق ومناظرتهم حتى تزول شبهتهم، كما كان يفعله الوصي # في قتاله من بغى، وما كان ينبغي مبادرتهم بالقتل والحكم عليهم بأنهم أهل ردة إلا لو أنكروا وجوب الزكاة أصلاً.