[بقية الباب الثالث]
  مواضع ومنازل مخصوصة إلى عند أن يعود جواب أمير المؤمنين # من المدينة المنورة، ثم أحدثوا ما أحدثوا من الغدر، واستولوا على البصرة وما حولها، وجمعوا الجموع العظيمة لقتال الوصي #، وكان ما كان من وقعة الجمل التي ليس فيها مناكر ولا مدافع، وأفضى الأمر إلى أن قتل من الفريقين ما ينيف على ثلاثين ألفاً، مع أن عائشة بمكان أعظم من مكان أبي بكر وعمر في العلم والفضل والمعرفة بما قاله النبي ÷ من تحذير الفتن، وما قاله ÷ في علي # وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومع أن طلحة والزبير كانا من أشد الناس ميلاً إلى علي # يوم السقيفة، ومع ذلك فلم يكونوا يدعون إمامة عظمى يستحلون دم من خالفهم فيها، وإنما مرامهم التولي والترؤس، فتوصلوا إلى ذلك بأن مرامهم الطلب بدم عثمان، على أنهم أعني هؤلاء الثلاثة: عائشة وطلحة والزبير من أشد الناس تأليباً على عثمان ومحاصرته حتى قتل، ولما وصلوا إلى البصرة قالوا لهم: ما أتى بكم إلينا؟ قالوا: للطلب بدم عثمان لديكم، فاطلبوه فلا نعلم من قتلته أو كما قال، ثم صار بينهم الصلح على النزول في البصرة، الكُلُّ آمن بأمان الله تعالى بعد العهود على ذلك، وكتبوا لأمير المؤمنين # كتاباً بصفة ما قد وقع، فبينما هم منتظرون الجواب إذ فعلوا ما فعلوا من تلك الحوادث العظيمة، والأفاعيل الكبيرة الأثيمة، فلا يستبعد صدور ذلك من أبي بكر وعمر، وليس الاستبعاد بمعتبر في المدافعة عنهما، وإنما الذي ينبغي أن يقوله أُولوا العلم الذين ائتمنهم الله على دينه أن هذه أخبار آحادية، فإن كان المراد منها القدح في دعوى الإجماع وصدور رضا من تأخر ولم يحضر السقيفة فهي كافية في القدح؛ إذ يصير الإجماع والرضا غير معلومين مع روايتها، وإن كان المراد منها تفريع المعاداة والبراءة منهما عليها فلا يصح؛ إذ لا يجوز ذلك إلا مع العلم بصدور كبيرة منهما، والآحاد لا تفيد العلم، فإن فرض تواترها قيل: فلا قاطع بالوعيد بالقتل كبيرة، وإنما دل الدليل القاطع على أن قتل المؤمن كبيرة