[بقية الباب الثالث]
  محتمل أو تأويل محتمل، وحينئذ فقول الجمهور هو الجاري على الأصول والقواعد المقررة عند علماء الكلام، وهو الأحوط والأسلم عند السؤال يوم تزل الأقدام، فيكون التوقف عن الموالاة وما يدل عليها من ترضية وترحم ومحبة بالقلب، وعن المعاداة وما يدل عليها من لعن أو شتم هو الواجب، مع التجرم والتظلم والتشكي بهم إلى الله تعالى، والبغاضة وعدم المحبة لهم في القلب؛ لأن ذلك هو لازم المعصية الملتبسة، وموافق لما ورد من الأحاديث أن من أغضب الزهراء صلوات الله عليها فقد أغضب الله ورسوله ÷.
  لا يقال: إن غضب الله تعالى وغضب رسوله ÷ يدل على كبر المعصية.
  لأنا نقول: إن الله تعالى يغضب لكل معصية صغيرة أو كبيرة، بمعنى يكره وقوعها من فاعلها باجتنابه الكبائر، أو بوقوعها منه على جهة الخطأ والنسيان أو التأويل، وعروض الشبهة عند النظر في تحريمها أمر وراء ذلك، فقد يتعلق الغضب بما هو صغيرة، وقد يتعلق بما هو كبيرة، كالغضب على الشرك والزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، وقد يتعلق بما هو ملتبس الحال، كسائر المعاصي الملتبس حالها بالنسبة إلينا، فأما الباري ø فلا ملتبس في حقه؛ لأنه بكل شيء عليم، وهو العدل الحكيم. والحاصل أن وصف المعصية بالكبر أو الصغر أمر نسبي يختلف باختلاف أحوال فاعلها من العلم بالتحريم أو عدمه، والإقدام جُرأة أو بتأويل، أو أن الدلالة عنده قطعية أو ظنية، أو أن له من الثواب ما يكفرها أو لا، أو أنه ملجأ إلى الفعل أو مكره عليه أو لا، أو نحو ذلك من الأحوال العارضة للفاعل فيما لم يعلم من الدين ضرورة كبره أو صغره كما مُثِّل، وهذه الأحوال قد يتعذر أو يتعسر على الغير العلم بها فيمن فعل المعصية، سيما من كان غير معاصر لذلك الفاعل أو غائباً عنه، بل المعلوم في كثير من الأشخاص الفاعلين لما هذا حاله من المعاصي أن لا يعلم بحقيقة أمره إلا الله تعالى.
  وحينئذ يعلم من هذا أن من أراد السلامة والأحوط له في دينه، وأن لا يكون