[شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
  نهوا لظنهم التأثير مع المعذرة؛ لقوله تعالى: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. وقوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ} يدل على نجاة من أنكر بقلبه وإن لم ينه بلسانه، فلم يبق إلا أن المراد بقوله: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا} الفاعلين ومن لم ينكر بقلبه ولا بلسانه، فلا دلالة في الآية على الوجوب مع ظن عدم التأثير حيث قد أنكر بقلبه.
  قلت: الأظهر والله أعلم أنه يدخل تحت المسألة صور ثلاث: أحدها: ظن التأثير. ثانيها: ظن عدم التأثير. ثالثها: استواء الأمرين، وذلك بأن لا يظهر له ولا يظن تأثيراً ولا عدمه، بل شك أو لم يخطر بباله ذلك، فإن جعلنا ظن التأثير شرطاً سقط الوجوب عند استواء الأمرين، وعند ظن عدم التأثير من باب الأولى، وإن جعلنا الشرط أن لا يظن عدم التأثير وجب مع الاستواء، وهذا هو الأَوْلَى، والتعليل بقولهم: «وإلا كان عبثاً» إنما يستقيم عليه؛ لأنه لا عبث مع استواء الحالين، إنما العبث مهما علم أو ظن عدم التأثير، وقد حكى القرشي في المنهاج الاتفاق أنه إذا علم أو ظن عدم التأثير أنه لا يجب، وأن عند استواء الأمرين يجب، وقيل: يحسن فقط.
  الثالث: أن لا يعلم ولا يظن أن أمره ونهيه يؤديان إلى إتلاف بنفسه(١) أو عضو منه أو ضرر بطول حبس(٢) أو مال مجحف، هذا قول الجمهور، وفي الأساس: أن الضرر والتشريد وانتهاب المال غير مرخصة لترك الأمر والنهي. وإنما جاز ترك الأمر والنهي عند ما ذكر لأنه قد جاز له فعل المنكر عند الإكراه، وأكل الميتة عند الاضطرار، فبالأولى ترك الأمر والنهي المؤديان إلى ذلك.
  الرابع: أن لا يعلم ولا يظن أن أمره ونهيه يؤديان إلى ترك واجب أهم أو
(١) في (ب): نفسه.
(٢) في (ب): أو ضرر يطول بحبس.