الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[مسألة: العقاب يستحق على الكبيرة والصغيرة]

صفحة 348 - الجزء 2

  مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}⁣[الزمر ١٦]، فنص سبحانه وتعالى أنه إنما ضاعف العذاب وأغلظه على العصاة لمصلحة لهم، وهي أن ينزجروا من العصيان، ويتقوه سبحانه بترك المعاصي وفعل الطاعات، فإذا خالفوا بعد هذا الإخبار الصادق فإنما أتوا من جهة أنفسهم حيث أوقعوها في مقتضى دوام العقاب وإغلاظه، ولا يتهم الله سبحانه في ذلك. وفي الحديث القدسي: «فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»، ثم إذا كان هذا البائع ملكا للرعية ذا سلطان واقتدار وشفقة ورحمة بهم، فأمر الرسول وقال له: أخبرهم مع ذلك أن ثمة سلعة عظيمة النفع تساوي ألف ألف دينار أو أكثر، ولا ضرر فيها على أحد، وقد بذلناها لهم بدرهم واحد أو دانق كان إذاً محسناً إليهم الجميع إحساناً آخر شاملا لهم الجميع على سواء: الذي شرى هذه والذي شرى تلك، لكنه أتي ذاك من جهة نفسه بسوء الاختيار لها، ثم إذا ألزم الرسول أن يرغبهم ويحسن القول لهم في شراء هذه، ويحذرهم ويرهبهم عن شراء تلك؛ مبالغة من الملك في إرادة نفعهم ودفع الضرر عنهم كان إذاً محسناً إليهم الجميع إحساناً ثالثاً على سواء {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}⁣[إبراهيم ٣٤]، نسأل الله التوفيق والعصمة من النار.

[مسألة: العقاب يستحق على الكبيرة والصغيرة]:

  مسألة: العقاب يستحق على الكبيرة والصغيرة لانقسام المعصية إليهما، خلافاً لقوم فقالوا: لا يستحق على الصغيرة.

  لنا: لو لم يستحق عليها عقاب لما كانت معصية. فأما إسقاط عقابها في حق المؤمن فلا دلالة فيه على عدم الاستحقاق، بل عدم إيصاله لما استحق المؤمن الثواب تعذر معه إيصال العقاب؛ لما بينهما من التنافي؛ لأن الثواب منافع مقرونة بالتعظيم والتجليل، والعقاب مضار مقرونة بالاستخفاف والإهانة.

  فإن قيل: يتعاقبان فلا تنافي.