الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[مسألة: اتفقت العدلية على استحقاق الطاعة والمعصية الثواب والعقاب]

صفحة 350 - الجزء 2

  قلت: ولما في القول بصحة إسقاطه من نقض الأصل المتفق عليه، وهو استحقاق العقاب عقلاً على المعصية.

  وقالت البصرية وبعض أئمتنا $ وبعض الزيدية: يجوز إسقاطه بالعفو عقلاً؛ إذ لا مانع إلا السمع، وهو ما علم من الدين ضرورة أن مصير الكافر إلى النار، ولو خلي العقل وشأنه ولم يرد الشرع بخلود الكافر في النار لحكم في العاصي بصحة أن يعفو عنه وصحة أن يعاقب، وكالدين فإنه يصح إسقاطه بلا تناكر، وقالوا: لا يسلم أن تجويز العفو يؤدي إلى الإغراء بفعل القبيح، وإنما الذي يؤدي إليه دعوى العلم بالإسقاط، كما في دعوى بعض المرجئة ذلك في حق المسلم مرتكب الكبيرة، وقالوا: إن الإسقاط بعد الثبوت لا يدل على عدم الاستحقاق كالدين.

  هذا، وإذا تأملت المسألة لم تجد ثمرة للخلاف بعد قطعهم الجميع بمصير الكافر إلى النار وخلوده فيها، واتفاقهم على عدم وقوع عفو عنه، إلا ما ذكره عنه⁣(⁣١) صاحب شرح الأساس حيث قال: ثم اختلفوا هل يعلم أنه يفعل ويقطع به أي: العقاب عقلاً أم لا؟

  فقالت البصرية: لا يعلم بذلك إلا سمعاً فقط، لا عقلاً فإن العقل يُجوِّز العفو عنه.

  وقالت البغدادية: يعلم من جهة العقل أنه يفعل لا محالة، وأنه لا يجوز العفو أصلاً. قال الإمام المهدي #: وهو بناء على أن العقاب لطف للمكلفين فلا بد من وقوعه حينئذ.

  وفي الأساس: ويحسن العفو عن العاصي إن علم ارتداعه كالتائب اتفاقاً، ولا يحسن العفو عنه إن علم عدم ارتداعه عن العصيان وفاقاً للبلخي وبشر بن المعتمر، وخلافاً للبصرية.


(١) ينظر في اثبات لفظة «عنه».