الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[مسألة: اتفقت العدلية على استحقاق الطاعة والمعصية الثواب والعقاب]

صفحة 351 - الجزء 2

  قلت: وهذا التفصيل جيد، إلا أن قوله: كالتائب، ينظر ما المراد به؟ هل المراد أنه يحسن العفو عن التائب، والكاف ليست للتشبيه، بل للتمثيل من الذي يحسن العفو عنه، فهذا لا نزاع فيه، بل الإجماع قائم عليه؛ لأن التائب لا خلاف في حسن العفو عنه ووقوعه. أو المراد أنه يحسن العفو عن المرتدع كما يحسن العفو عن التائب، فما المراد بالمرتدع؟ اللهم إلا أن يقال: المرتدع من يندم على الفعل لما لقي عليه من الوبال، لا التائب المقلع استقام الكلام، لكنه رجوع إلى كلام البصرية، والله أعلم.

  مسألة: وحيث إن العقاب على المعصية شُرِع للزجر عنها، ولم يصح إسقاطه مع الإصرار عليها، وكان فيه على مرتكبها الضرر والنكال شرع الله تعالى التوبة فرجاً ومخرجاً للعاصي؛ لتكون له سبيلاً إلى تلافي النفس عن الهلاك، ولا خلاف في سقوط العقاب بها، فتجب على العاصي عقلاً؛ لما فيها من حفظ النفس وتلافيها عن التهلكة، وذلك واجب عقلاً، وهل يجب على الله شرعية التوبة وقبولها ممن فعلها على شرائطها؟ أما شرعيتها فلم أجد لأحد نَصَّاً في إيجابه فينظر.

  ويمكن أن يقال: لما خلق الله في المكلف شهوة فعل القبيح كان كالمسبب لإيقاعه فيه؛ فوجب عليه شرعية التوبة.

  ويمكن أن يجاب عن ذلك: بأنه وإن خلق فيه شهوة القبيح فليست موجبة لفعله، فلم يؤت المكلَّف إلا من جهة نفسه، فلا تجب على الله شرعية التوبة، بل ذلك تفضل كشرعية غيرها من الواجبات. ولا شك في حسن شرعية التوبة، وإنما الكلام في وجوب ذلك من عدمه.

  وأما قبولها فقد مر الكلام على ذلك، فجمهور المعتزلة وبعض أئمتنا $ يقولون بوجوب ذلك على الله تعالى، وبعض أئمتنا $ يقولون: يفعله قطعاً.

  قال جمهور أئمتنا $: ولا يسقط عقاب المعصية شيء سوى التوبة. وقال أهل الموازنة من أئمتنا $، وبعض الزيدية وبعض المعتزلة: بل وزيادة