الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 373 - الجزء 2

  {مَا دُونَ ذَلِكَ}، و «مَنْ» في قوله تعالى: {لِمَنْ يَشَاءُ}، فإن هاتين اللفظتين من صيغ العموم دخلهما تخصيص مجمل؛ من حيث تعليق الغفران بمن يشاء أن يغفر له، ولم يقل لكل عاص حتى يتم مطلب الخصم، ولو قال ذلك لقلنا عام خُصِّصَ بأن أخرج منه صاحب الكبيرة؛ للآيات المذكورة في الزاني وقاتل النفس ومطفف المكيال والميزان؛ لقوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}، وآية الفرار من الزحف، وهي خاصة بوعيد المسلم المقاتل للكفار، وآيات أكل الربا، وأكل مال اليتيم، ونحو ذلك من الآيات الواردة في وعيد أهل الكبائر من هذه الأمة.

  وبهذا الكلام تعلم ضعف استدلال الخصوم بآية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}⁣[النساء ١١٦]، وقوة استدلال أئمتنا $ قرناء الكتاب، وأمناء هذه الأمة من نزول العذاب بالآيات المذكورات وغيرها من آي الوعيد؛ لأن ما استدل به أئمتنا $ صرائح في المقصود إما عموماً أو خصوصاً، وما استدل به الخصم مجمل لا دلالة فيه إلا على تفضيع حال الشرك، وأنه لا يبلغ درجته في القبح والفضاعة شيء من المعاصي؛ لذلك وردت الآية على أبلغ العبارة من عدم ذكر التوبة في هذه الآية مبالغة في تقبيحه، وإحالة في العلم بأنه مغفور معها على غيرها، ومن إيراد المفعول بصيغة المضارع مع «أن» المصدرية، ولم يقل: لا يغفر الشرك، بل قال: {أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}؛ ليفيد أن أدنى شرك وأقله غير مغفور، ومن التسجيل على جميع المعاصي الآخرة بأنها دونه في القبح والفظاعة، وحسن في هذه الآية تجريدها عن ذكر التوبة في الشرك وفيما دونه نفياً أو إثباتاً ليخرج الكلام مع عدم ذكرها على مقتضى الحال وأبلغ الوجوه في الفصاحة والبلاغة؛ إذ لو ذكرت في أيهما لم يكن الكلام معها مستقيماً وسليماً عن الخلل؛ لأنه لو قال: إن الله لا يغفر أن يشرك به من دون توبة، ويغفر ما دون ذلك من دون توبة كما هو مقتضى مذهب الخصم لكان في ذلك إغراء صريح بسائر المعاصي سوى الشرك. ولو قال: إن الله لا يغفر أن يشرك به مع التوبة،