الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 372 - الجزء 2

  أفراد ذلك العموم شيء (إلا ما خَصَّتْه دَلاَلَةٌ) قاطعة، ولا دلالة قاطعة هاهنا إلا ما أجمعت عليه الأمة، وهو التائب وصاحب الصغيرة، فإخراج الخصوم صاحب الكبيرة عن هذا العموم لا دليل عليه، وكل ما لا دليل عليه لا يجوز القول به، ثم إن قام الدليل على بطلانه وجب نفيه، وسنقيم الدلالة على بطلان مدعاهم حتى يتمحص القول ببطلانه ووجوب نفيه، (و) مثل هاتين الآيتين (قوله تعالى): {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}) [الفرقان ٦٨]، فإنه أي: لُقْيَا الأثام عام لكل من قتل نفساً محرمة من كافر أو مسلم، ولكل زان من كافر أو مسلم، ويؤيده قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}⁣[النساء ٩٣]، فإنها لا يمكن قصرها على القاتل الكافر؛ لمجيئها وسياقها في مساق أحكام قتل المسلمين في الخطأ، وفي المعاهد، ثم عقبه بذكر حكم القاتل للمؤمن عمداً، لكن أتى بصيغة العموم ليتناول القاتل الفاسق والكافر مع العمد في ذلك الوعيد الذي ما عليه من مزيد.

  ولما لم يكن في قوله تعالى: {يَلْقَ أَثَامًا} دلالة على الخلود، بل هو مجمل بينه بقوله تعالى: ({يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}) [الفرقان ٦٩]، ثم أخرج سبحانه وتعالى التائب عن هذا الوعيد؛ لطفاً ورفقاً بعباده سبحانه، ودعاءً لهم إلى ما يُنقذ من فعل منهم أي شيء من الثلاث المآثم العظيمة التي هي أكبر الكبائر بقوله عقيب هذه الآية: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}⁣[الفرقان ٧٠]، فعُلم أن القاتل والزاني ليس بخارجين عن هذا الوعيد وهو مضاعفة العذاب على سبيل التخليد في جهنم ذات الوقيد إلا مع التوبة، فتكون هذه الآية مبينة للإجمال في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}⁣[النساء ٤٨]، فإن فيها إجمالاً من وجهين، وهما ناشئان من صيغتي العموم وهي «ما» في قوله تعالى: