الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 375 - الجزء 2

  النكتة بتفضيع حال الشرك، وعدم الفرق بينه وبين سائر الكبائر، فمقتضى الحال عدم تقديره؛ لأن المقدر كالملفوظ به، ويلاحظ معناه في تصحيح المذهب أَخْذاً لذلك من الآيات الأُخر الدالات عليه، وتبقى الآية على ظاهرها مجردة عن ذكر التوبة بعدم التعرض لها لا في اللفظ ولا في التقدير، ليتم المراد مما سيقت له، وهو تفضيع حال الشرك، والفرق بينه وبين سائر الكبائر في القبح والفضاعة، لا في كون الكل لا يكفره إلا التوبة. وأما قول السائل: إن فيه ما لا يخفى من الإغراء الصريح بفعل المعصية الصغيرة وهو لا يجوز فالإلزام مشترك، على أنا نقول في دفعه: إنه لا يلزم ذلك إلا لو كانت الصغيرة متعينة، أما إذا ضبطنا الكبيرة بحد من الحدود، ثم قلنا: وما عدا ذلك فملتبس لم يلزم الإغراء، فتأمل.

  وحينئذ فقد ظهر لك أيها الطالب الرشاد أنه لا دلالة في الآية الكريمة على مذهب الخصم أن الكبائر مغفورة بغير توبة ما عدا الشرك، وأنها لم تسق لهذا المعنى الكاسد الداعي إلى ارتكاب جميع المفاسد، وحاشا كلام الله أن يساق إلى نحو هذه العقائد التي هي فتنة كل جبار معاند، وإنما سيقت لغرض آخر، وهو ما ذكرناه من تفظيع حال الشرك وتقبيحه على أبلغ الوجوه، وهذا غرض صحيح وأي صحيح، يحق لآيات الله أن تنزل به من العزيز الحكيم، ويصح وروده في خطاب الله لكل ذي عقل سليم واعتقاد مستقيم، وحجة قائمة من الله على كل ذي ريب سقيم. والغفران فيها مجمل من جهة المغفور ومن جهة المغفور له، والمجمل لا دلالة فيه إجماعاً، والإجمال في هذه الآية هو مقتضى الحال وموجبة؛ لما فيه من الحكمة والمناسبة لما سيقت له كما قد علمت.

  وإنما قلنا: «إن الغفران في هذه الآية مجمل» لأنه وإن كان بالنظر إلى قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} مبيناً فإنه بسبب تقييده بالمشيئة صار مجملاً؛ من حيث لم يعلم بعد ذلك من الذي يشاء أن يغفر له ومن الذي لا يشاء أن يغفر له، ولو قال: «لكل عاص» لصار مبيناً لا إجمال فيه؛ لأنه عام، ولكن شأن العام صحة تخصيصه،