الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 376 - الجزء 2

  فلو وردت الآية على هذا الوجه لم يكن فيها دلالة أيضاً على مذهب الخصم؛ للآيات الدالة على تخصيص أهل الكبائر كما مر ذكره؛ لأن العام إذا خصص بطلت دلالته على ما تناوله الخاص إجماعاً، وبقيت دلالته فيما عداه لا غير على خلاف في ذلك، الصحيح بقاؤها: قطعاً في القطعيات، وظناً في الظنيات.

  يزيده وضوحاً أن الغفران مجملٌ في هذه الآية ما ذكره الفقيه يوسف | في مقدمة الثمرات: أن من صور الإجمال استثناء المجهول من المعلوم، ومثَّل له بقوله تعالى: {وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}⁣[الحج ٣٠]، فإنه قد كان الكلام قبل الاستثناء مبيناً عام التحليل لكل الأنعام، فلما اتصل به الاستثناء المجهول من حيث إنه في هذه الآية لم يبين ماذا الذي يتلى تحريمه صار الكلام كله مجملاً في المستثنى وفي المستثنى منه، فلم يعلم بعد ذلك أي الأنعام هو الحلال ولا أيها هو الحرام حتى بين بآية تحريم الميتة والنطيحة والمتردية الآية، فكذلك هذه الآية لا يعلم منها بعد التقييد بشرط المشيئة ما هو المغفور ولا من هو المغفور له؛ لأن الشرط والاستثناء على سواء في أنهما قيد لما أطلق قبلهما، فصارت هذه الآية وآية الأنعام في الإجمال نظير قولك: كل بني فلان في الدار، فإذا قلت بعد ذلك: «وقد خرج بعضهم» دخل الإجمال فيمن بقي كما دخل فيمن خرج، فلا دلالة بعد ذلك على تعيين من خرج ومن بقي إلا بدليل آخر من مشاهدة أو خبر آخر معين من خرج ومن بقي، وهذا واضح لمن تبصر وأنصف دون من تعامى وتعسف، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

  ولقد أكثر أهل الإرجاء على طبقاتهم من التشبث بهذه الآية الكريمة، وزخرفوا استدلالهم بها بزخارف لا تنفق إلا عند غبي جاهل أو عمِي عن الحق مائل، نحو ما ذكره المَقْبَلِي في العلم الشامخ أو زوائده الأرواح النوافخ، فقال ما معناه: إن الله تعالى ذكر هذه الآية مرتين في سورة واحدة وهي سورة النساء ليؤكد الدلالة على أن صاحب الكبيرة تحت المشيئة، ولا دليل على دخوله النار