شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في آدم والملائكة أيهما أفضل

صفحة 110 - الجزء 1

  # ولو لم يدل على ذلك إلا قوله تعالى في هذه القصة: {إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ٢٠}⁣[الأعراف: ٢٠] لكفى.

  وقد احتج أصحابنا أيضا بقوله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}⁣[النساء: ١٧٢] وهذا كما تقول لا يستنكف الوزير أن يعظمني ويرفع من منزلتي ولا الملك أيضا، فإن هذا يقتضي كون الملك أرفع منزلة من الوزير، وكذلك قوله: {وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}⁣[النساء: ١٧٢] يقتضي كونهم أرفع منزلة من عيسى.

  ومما احتجوا به قولهم إنه تعالى لما ذكر جبريل ومحمدا ÷ في معرض المدح مدح جبريل # بأعظم مما مدح به محمدا ÷ فقال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ١٩ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ٢٠ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ٢١ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ٢٢ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ٢٣ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ٢٤}⁣[التكوير: ١٩ - ٢٤]، فالمديح الأول لجبريل والثاني لمحمد ÷ ولا يخفى تفاوت ما بين المدحين.

  فإن قيل فهل كان إبليس من الملائكة أم من نوع آخر قيل قد اختلف في ذلك فمن قال إنه من الملائكة احتج بالاستثناء في قوله: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ٣٠ إِلَّا إِبْلِيسَ}⁣[الحجر: ٣٠ - ٣١]، وقال إن الاستثناء من غير الجنس خلاف الأصل، ومن قال إنه لم يكن منهم احتج بقوله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}⁣[الكهف: ٥٠].

  وأجاب الأولون عن هذا فقالوا إن الملائكة يطلق عليهم لفظ الجن لاجتنانهم واستتارهم عن الأعين وقالوا قد ورد ذلك في القرآن أيضا في قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ