شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

طرق الإخبار عن الغيوب

صفحة 12 - الجزء 5

  قال أبو البركات وحكاياتها أكثر من أن تعد وعند كل أحد من الناس من حديثها ما ليس عند الآخر لأنها كانت تقول من ذلك على الاتصال لشخص شخص جوابا بحسب السؤال.

  قال وما زلت أقول إن من يأتي بعدنا لا يصدق ما رأيناه منها فإن قلت لي أريد أن تفيدني العلة في معرفة المغيبات هذه قلت لك العلة التي تصلح في جواب لم في نسبة المحمول إلى الموضوع تكون الحد الأوسط في القياس وهذه فالعلة الفاعلة الموجبة لذلك فيها هي نفسها بقوتها وخاصتها فما الذي أقوله في هذا وهل لي أن أجعل ما ليس بعلة علة.

  واعلم أنا لا ننكر أن يكون في نوع البشر أشخاص يخبرون عن الغيوب ولكن كل ذلك مستند إلى البارئ سبحانه بإقداره وتمكينه وتهيئة أسبابه فإن كان المخبر عن الغيوب ممن يدعي النبوة لم يجز أن يكون ذلك إلا بإذن الله سبحانه وتمكينه وأن يريد به تعالى استدلال المكلفين على صدق مدعى النبوة لأنه لو كان كاذبا لكان يجوز أن يمكن الله تعالى الجن من تعليمه ذلك إضلالا للمكلفين وكذلك لا يجوز أن يمكن سبحانه الكاذب في ادعاء النبوة من الإخبار عن الغيب بطريق السحر وتسخير الكواكب والطلسمات ولا بالزجر ولا بالقيافة ولا بغير ذلك من الطرق المذكورة لما فيه من استفساد البشر وإغوائهم.

  وأما إذا لم يكن المخبر عن الغيوب مدعيا للنبوة نظر في حاله فإن كان ذلك من الصالحين الأتقياء نسب ذلك إلى أنه كرامة أظهرها الله تعالى على يده إبانة له وتمييزا