شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

الكناية والرموز والتعريض مع ذكر مثل منها

صفحة 16 - الجزء 5

  معاوية يا أبا بحر ما الشيء الملفف في البجاد فقال السخينة يا أمير المؤمنين وإنما كنى معاوية عن رمي بني تميم بالنهم وحب الأكل بقول القائل:

  إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن يعيش فجيء بزاد

  بخبز أو بتمر أو بسمن ... أو الشيء الملفف في البجاد

  تراه يطوف في الآفاق حرصا ... ليأكل رأس لقمان بن عاد

  وأراد الشاعر وطب اللبن فقال الأحنف هو السخينة يا أمير المؤمنين لأن قريشا كانت تعير بأكل السخينة قبل الإسلام لأن أكثر زمانها كان زمان قحط والسخينة ما يسخن بالنار ويذر عليه دقيق وغلب ذلك على قريش حتى سميت سخينة قال حسان:

  زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب

  فعبر كل واحد من معاوية والأحنف عما أراده بلفظ غير مستهجن ولا مستقبح وعلم كل واحد منهما مراد صاحبه ولم يفهم الحاضرون ما دار بينهما وهذا من باب التعريض وهو قريب من الكناية.

  ومن كنايات الكتاب العزيز أيضا قوله تعالى {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا}⁣[الأحزاب: ٢٧] كنى بذلك عن مناكح النساء.

  ومنها قوله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}⁣[البقرة: ٢٢٣] كنى عن مواقع النسل بمواقع الحرث.