شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

اختلاف الناس في الآجال

صفحة 134 - الجزء 5

  واختلف المتكلمون في الآجال فقالت المعتزلة ينبغي أولا أن نحقق مفهوم قولنا أجل ليكون البحث في التصديق بعد تحقق التصور فالأجل عندنا هو الوقت الذي يعلم الله أن حياة ذلك الإنسان أو الحيوان تبطل فيه كما أن أجل الدين هو الوقت الذي يحل فيه فإذا سألنا سائل فقال هل للناس آجال مضروبة قلنا له ما تعني بذلك أتريد هل يعلم الله تعالى الأوقات التي تبطل فيها حياة الناس أم تريد بذلك أنه هل يراد بطلان حياة كل حي في الوقت الذي بطلت حياته فيه.

  فإن قال عنيت الأول قيل له نعم للناس آجال مضروبة بمعنى معلومة فإن الله تعالى عالم بكل شي ء.

  وإن قال عنيت الثاني قيل لا يجوز عندنا إطلاق القول بذلك لأنه قد تبطل حياة نبي أو ولي بقتل ظالم والبارئ تعالى لا يريد عندنا ذلك.

  فإن قيل فهل تقولون إن كل حيوان يموت وتبطل حياته بأجله قيل نعم لأن الله قد علم الوقت الذي تبطل حياته فيه فليس تبطل حياته إلا في ذلك الوقت لا لأن العلم ساق إلى ذلك بل إنما تبطل حياته بالأمر الذي اقتضى بطلانه والبارئ تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه فإن بطلت حياته بقتل ظالم فذلك ظلم وجور وإن بطلت حياته من قبل الله تعالى فذلك حكمة وصواب وقد يكون ذلك لطفا لبعض المكلفين.

  واختلف الناس لو لم يقتل القاتل المقتول هل كان يجوز أن يبقيه الله تعالى فقطع الشيخ أبو الهذيل على موته لو لم يقتله القاتل وإليه ذهب الكرامية قال محمد بن الهيصم مذهبنا أن الله تعالى قد أجل لكل نفس أجلا لن ينقضي عمره دون بلوغه ولا يتأخر عنه ومعنى الأجل هو الوقت الذي علم الله أن الإنسان يموت فيه وكتب ذلك في اللوح المحفوظ وليس يجوز أن يكون الله تعالى قد أجل له أجلا ثم يقتل قبل بلوغه أو يخترم دونه ولا أن