شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في أحكام النجوم

صفحة 202 - الجزء 6

  قيل لكم ولم لا يكون سبب الإصابة اتفاقا وإنما يصح لكم هذا التأويل والتخريج لو كان على صحة أحكام النجوم دليل قاطع هو غير إصابة المنجم.

  فأما إذا كان دليل صحة الأحكام الإصابة فهلا كان دليل فسادها الخطاء فما أحدهما إلا في مقابلة صاحبه.

  ومما قيل على أصحاب الأحكام إن قيل لهم في شيء بعينه خذوا الطالع واحكموا أيؤخذ أم يترك فإن حكموا بأحدهما خولفوا وفعل خلاف ما أخبروا به وهذه المسألة قد أعضل عليهم جوابها.

  وقال بعض المتكلمين لبعض المنجمين أخبرني لو فرضنا جادة مسلوكة وطريقا يمشي فيها الناس نهارا وليلا وفي تلك المحجة آبار متقاربة وبين بعضها وبعض طريق يحتاج سالكه إلى تأمل وتوقف حتى يتخلص من السقوط في بعض تلك الآبار هل يجوز أن تكون سلامة من يمشي بهذا الطريق من العميان كسلامة من يمشي فيه من البصراء والمفروض أن الطريق لا يخلو طرفة عين من مشاة فيها عميان ومبصرون وهل يجوز أن يكون عطب البصراء مقاربا لعطب العميان.

  فقال المنجم هذا مما لا يجوز بل الواجب أن تكون سلامة البصراء أكثر من سلامة العميان.

  فقال المتكلم فقد بطل قولكم لأن مسألتنا نظير هذه الصورة فإن مثال البصراء هم الذين يعرفون أحكام النجوم ويميزون مساعدها من مناحسها ويتوقون بهذه المعرفة مضار الوقت والحركات ويتخطونها ويعتمدون منافعها ويقصدونها ومثال العميان كل من لا يحسن علم النجوم ولا يقولون به من أهل العلم والعامة وهم أضعاف أضعاف عدد المنجمين.