شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في أحكام النجوم

صفحة 204 - الجزء 6

  لغاية بعدها عنا فإذا تحركت في كرات تداويرها سامتت مواضع مخصوصة من كرة الكواكب الثابتة وهي فلك البروج فاختلفت آثار الكواكب المتحيرة عند حلولها في البروج باعتبار اختلاف تلك الكواكب الصغيرة ولم لا يجوز إثبات كرة بين الكرة الثامنة وبين الفلك الأطلس المدبر لجميع الأفلاك من المشرق إلى المغرب وتكون تلك الكرة المتوسطة بينهما بطيئة الحركة بحيث لا تفي أعمارنا بالوقوف على حركتها وهي مكوكبة بتلك الكواكب الصغار المختلفة الطبائع.

  وأجيب عن الأول بأنه لو كان الأمر كما ذكر لوجب أن تختلف بيوت الكواكب وأشرافها وحدودها عند حركة الثوابت بحركة فلكها حتى أنها تتقدم على مواضعها في كل مائة سنة على رأي المتقدمين أو في كل ست وستين سنة على رأي المتأخرين درجة واحدة لكن ليس الأمر كذلك فإن شرف القمر كما أنه في زماننا في درجة الثالثة من الثور فكذلك كان عند الذين كانوا قبلنا بألف سنة وبألفي سنة.

  وأما الوجه الثاني فلا جواب عنه.

  واعلم أن الفلاسفة قد عولت في إبطال القول بأحكام النجوم على وجه واحد وهو أن مبنى هذا العلم على التجربة ولم توجد التجربة فيما يدعيه أرباب علم النجوم فإن هاهنا أمورا لا تتكرر إلا في الأعمار المتطاولة مثل الأدوار والألوف التي زعم أبو معشر أنها هي الأصل في هذا العلم ومثل مماسة جرم زحل للكرة المكوكبة ومثل انطباق معدل النهار على دائرة فلك البروج فإنهم يزعمون أن ذلك يقتضي حدوث طوفان الماء وإحاطته بالأرض من جميع الجوانب مع أن هذه الأمور لا توجد إلا في ألوف الألوف من السنين فكيف تصح أمثال هذه الأمور بالتجربة.

  وأيضا فإنا إذا رأينا حادثا حدث عند حلول كوكب مخصوص في برج مخصوص