شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في أحكام النجوم

صفحة 210 - الجزء 6

  العلم وإذ قد وصفنا على سبيل الإجمال ما يوجب حقيقة هذا العلم فإنا نصف ما يمكن إدراكه به أو لا يمكن فنقول لما كانت تغيرات الهواء إنما تحدث بحسب أحوال الشمس والقمر والكواكب المتحيرة والثابتة صارت معرفة هذه التغيرات قد تدرك من النجوم مع سائر ما يتبعها من الرياح والسحاب والأمطار والثلج والبرد والرعد والبرق لأن الأشياء التي تلي الأرض وتصل إليها هذه الآثار من الهواء المحيط بها كانت الأعراض العامية التي تعرض في هذه الأشياء تابعة لتلك الآثار مثل كثرة مياه الأنهار وقلتها وكثرة الثمار وقلتها وكثرة خصب الحيوان وقلته والجدوبة والقحط والوباء والأمراض التي تحدث في الأجناس والأنواع أو في جنس دون جنس أو في نوع دون نوع وسائر ما يشاكل ذلك من الأحداث.

  ولما كانت أخلاق النفس تابعة لمزاج البدن وكانت الأحداث التي ذكرناها مغيرة لمزاج البدن صارت أيضا مغيرة للأخلاق ولأن المزاج الأول الأصلي هو الغالب على الإنسان في الأمر الأكثر وكان المزاج الأصلي هو الذي طبع عليه الإنسان في وقت كونه في الرحم وفي وقت مولده وخروجه إلى جو العالم صار وقت الكون ووقت المولد أدل الأشياء على مزاج الإنسان وعلى أحواله التابعة للمزاج مثل خلقة البدن وخلق النفس والمرض والصحة وسائر ما يتبع ذلك فهذه الأشياء وما يشبهها من الأمور التي لا تشارك شيئا من الأفعال الإرادية فيه مما يمكن معرفته بالنجوم وأما الأشياء التي تشارك الأمور الإرادية بعض المشاركة فقد يمكن أن يصدق فيها هذا العلم على الأمر الأكثر وإذا لم يستعمل فيه الإرادة جرى على ما تقود إليه الطبيعة.

  على أنه قد يعرض الخطاء والغلط لأصحاب هذه الصناعة من أسباب كثيرة بعضها يختص بهذه الصناعة دون غيرها وبعضها يعمها وغيرها من الصنائع.