شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في أحكام النجوم

صفحة 211 - الجزء 6

  فأما ما يعم فهو من قصور طبيعة الناس في معرفة الصنائع أيا كانت عن بلوغ الغاية فيها حتى لا يبقى وراءها غاية أخرى فكثرة الخطإ وقلته على حسب تقصير واحد واحد من الناس.

  وأما ما يخص هذه الصناعة فهو كثير ما يحتاج صاحبها إلى معرفته مما لا يمكنه أن يعلم كثيرا منه إلا بالحدس والتخمين فضلا عن لطف الاستنباط وحسن القياس ومما يحتاج إلى معرفة علم أحوال الفلك ومما يحدث في كل واحد من تلك الأحوال فإن كل واحد منها له فعل خاص ثم يؤلف تلك الأحوال بعضها مع بعض على كثرة فنونها واختلافاتها ليحصل من جميع ذلك قوة واحدة وفعل واحد يكون عنه الحادث في هذا العالم وذلك أمر عسير فمتى أغفل من ذلك شيء كان الخطأ الواقع بحسب الشيء الذي سها عنه وترك استعماله.

  ثم من بعد تحصيل ما وصفناه ينبغي أن يعلم الحال التي عليها يوافي في تلك القوة الواحدة الأشياء التي تعرض فيها تلك الأحداث كأنه مثلا إذا دل ما في الفلك على حدوث حر وكانت الأشياء التي يعرض فيها ما يعرض قد مر بها قبل ذلك حر فحميت وسخنت أثر ذلك فيها أثرا قويا فإن كان قد مر بها برد قبل ذلك أثر ذلك فيها أثرا ضعيفا وهذا شيء يحتاج إليه في جميع الأحداث التي تعمل في غيرها مما يناسب هذه المعرفة.

  وأما الأحداث التي تخص ناحية ناحية أو قوما قوما أو جنسا جنسا أو مولودا واحدا من الناس فيحتاج مع معرفتها إلى أن يعلم أيضا أحوال البلاد والعادات والأغذية والأوباء وسائر ما يشبه ذلك مما له فيه أثر وشركة مثل ما يفعل الطبيب في المعالجة وفي تقدمه المعرفة ثم من بعد تحصيل هذه الأشياء كلها ينبغي أن ينظر في الأمر الذي قد استدل على حدوثه هل هو مما يمكن أن يرد أو يتلافى بما يبطله أو بغيره من جهة