شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

82 - ومن خطبة له # وتسمى بالغراء

صفحة 243 - الجزء 6

  لذاته فكيف تتأولون قوله # الذي علا بحوله أليس في هذا إثبات قدرة له زائدة على ذاته وهذا يخالف مذهبكم.

  قلت إن أصحابنا لا يمتنعون من إطلاق قولهم إن لله قوة وقدرة وحولا وحاش لله أن يذهب ذاهب منهم إلى منع ذلك ولكنهم يطلقونه ويعنون به حقيقته العرفية وهي كون الله تعالى قويا قادرا كما نقول نحن والمخالف إن لله وجودا وبقاء وقدما ولا نعني بذلك أن وجوده أو بقاءه أو قدمه معان زائدة على نفسه لكنا نعني كلنا بإطلاق هذه الألفاظ عليه كونه موجودا أو باقيا أو قديما وهذا هو العرف المستعمل في قول الناس لا قوة لي على ذلك ولا قدرة لي على فلان لا يعنون نفي المعنى بل يعنون كون الإنسان قادرا قويا على ذلك.

  ومنها أن مانحا في وزن كاشف وغنيمة بإزاء عظيمة في اللفظ وضدها في المعنى وكذلك فضل وأزل.

  ومنها أن عواطف بإزاء سوابغ ونعمه بإزاء كرمه.

  ومنها وهو ألطف ما يستعمله أرباب هذا الصناعة أنه جعل قريبا هاديا مع قوله أستهديه لأن الدليل القريب منك أجدر بأن يهديك من البعيد النازح ولم يجعله مع قوله وأستعينه وجعل مع الاستعانة قاهرا قادرا لأن القادر القاهر يليق أن يستعان ويستنجد به ولم يجعله قادرا قاهرا مع التوكل عليه وجعل مع التوكل كافيا ناصرا لأن الكافي الناصر أهل لأن يتوكل عليه.

  وهذه اللطائف والدقائق من معجزاته # التي فات بها البلغاء وأخرس الفصحاء