شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في شرح ما نسب إلى علي من الدعابة

صفحة 329 - الجزء 6

  بعمر أنه نسبه إلى أمر لم ينقله عنه ناقل ولا ندد به صديق وعدو وإنما أراد سهولة خلقه لا غير وظن أن ذلك مما يفضي به إلى ضعف إن ولي أمر الأمة لاعتقاده أن قوام هذا الأمر إنما هو بالوعورة بناء على ما قد ألفته نفسه وطبعت عليه سجيته والحال في أيام عثمان وأيام ولايته # الأمر كالحال فيما تقدم في أنه لم يظهر منه دعابة ولا مزاح يسمى الإنسان لأجله ذا دعابة ولعب ومن تأمل كتب السير عرف صدق هذا القول وعرف أن عمرو بن العاص أخذ كلمة عمر إذ لم يقصد بها العيب فجعلها عيبا وزاد عليها أنه كثير اللعب يعافس النساء ويمارسهن وأنه صاحب هزل.

  ولعمر الله لقد كان أبعد الناس من ذلك وأي وقت كان يتسع لعلي # حتى يكون فيه على هذه الصفات فإن أزمانه كلها في العبادة والصلاة والذكر والفتاوي والعلم واختلاف الناس إليه في الأحكام وتفسير القرآن ونهاره كله أو معظمه مشغول بالصوم وليله كله أو معظمه مشغول بالصلاة هذا في أيام سلمه فأما أيام حربه فبالسيف الشهير والسنان الطرير وركوب الخيل وقود الجيش ومباشرة الحروب.

  ولقد صدق # في قوله

  إنني ليمنعني من اللعب ذكر الموت ولكن الرجل الشريف النبيل الذي لا يستطيع أعداؤه أن يذكروا له عيبا أو يعدوا عليه وصمة لا بد أن يحتالوا ويبذلوا جهدهم في تحصيل أمر ما وإن ضعف يجعلونه عذرا لأنفسهم في ذمه ويتوسلون به إلى أتباعهم في تحسينهم لهم مفارقته والانحراف عنه وما زال المشركون والمنافقون يصنعون لرسول الله ÷ الموضوعات ينسبون إليه ما قد برأه الله عنه من العيوب والمطاعن في حياته وبعد وفاته إلى زماننا هذا وما يزيده الله سبحانه إلا رفعة وعلوا فغير منكر أن يعيب عليا # عمرو بن العاص وأمثاله من أعدائه بما إذا تأمله المتأمل علم أنهم باعتمادهم عليه وتعلقهم به قد اجتهدوا