شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في شرح ما نسب إلى علي من الدعابة

صفحة 328 - الجزء 6

  فيه ولكنه أخبر عن خلقه ظانا أن الخلافة لا تصلح إلا لشديد الشكيمة العظيم الوعورة وبمقتضى ما كان يظنه من هذا المعنى تمم خلافة أبي بكر بمشاركته إياه في جميع تدابيراته وسياسته وسائر أحواله لرفق وسهولة كانت في أخلاق أبي بكر وبمقتضى هذا الخلق المتمكن عنده كان يشير على رسول الله ÷ في مقامات كثيرة وخطوب متعدة بقتل قوم كان يرى قتلهم وكان النبي ÷ يرى استبقاءهم واستصلاحهم فلم يقبل # مشورته على هذا الخلق.

  وأما إشارته عليه يوم بدر بقتل الأسرى حيث أشار أبو بكر بالفداء فكان الصواب مع عمر ونزل القرآن بموافقته فلما كان في اليوم الثاني وهو يوم الحديبية أشار بالحرب وكره الصلح فنزل القرآن بضد ذلك فليس كل وقت يصلح تجريد السيف ولا كل وقت يصلح إغماده والسياسة لا تجري على منهاج واحد ولا تلزم نظاما واحدا.

  وجملة الأمر أنه ¥ لم يقصد عيب علي # ولا كان عنده معيبا ولا منقوصا ألا ترى أنه قال في آخر الخبر أن أحراهم أن وليها أن يحملهم على كتاب الله وسنة رسوله لصاحبك ثم أكد ذلك بأن قال إن وليهم ليحملنهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم فلو كان أطلق تلك اللفظة وعنى بها ما حملها عليه الخصوم لم يقل في خاتمة كلامه ما قاله.

  وأنت إذا تأملت حال علي # في أيام رسول الله ÷ وجدته بعيدا عن أن ينسب إلى الدعابة والمزاح لأنه لم ينقل عنه شيء من ذلك أصلا لا في كتب الشيعة ولا في كتب المحدثين وكذلك إذا تأملت حاله في أيام الخليفتين أبي بكر وعمر لم تجد في كتب السيرة حديثا واحدا يمكن أن يتعلق به متعلق في دعابته ومزاحه فكيف يظن