شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في عصمة الأنبياء

صفحة 12 - الجزء 7

  وحكى عن أبي إسحاق النظام وجعفر بن مبشر أن ذنوبهم لا تكون إلا على سبيل السهو والنسيان وأنهم مؤاخذون بذلك وإن كان موضوعا عن أمتهم لأن معرفتهم أقوى ودلائلهم أكثر وأخطارهم أعظم ويتهيأ لهم من التحفظ ما لا يتهيأ لغيرهم.

  وقالت الإمامية لا تجوز عليهم الكبائر ولا الصغائر لا عمدا ولا خطأ ولا سهوا ولا على سبيل التأويل والشبهة وكذلك قولهم في الأئمة والخلاف بيننا وبينهم في الأنبياء يكاد يكون ساقطا لأن أصحابنا إنما يجوزون عليهم الصغائر لأنه لا عقاب عليها وإنما تقتضي نقصان الثواب المستحق على قاعدتهم في مسألة الإحباط فقد اعترف إذا أصحابنا بأنه لا يقع من الأنبياء ما يستحقون به ذما ولا عقابا والإمامية إنما تنفي عن الأنبياء الصغائر والكبائر من حيث كان كل شيء منها يستحق فاعله به الذم والعقاب لأن الإحباط باطل عندهم فإذا كان استحقاق الذم والعقاب يجب أن ينفى عن الأنبياء وجب أن ينفى عنهم سائر الذنوب فقد صار الخلاف إذا متعلقا بمسألة الإحباط وصارت هذه المسألة فرعا من فروعها.

  واعلم أن القول بجواز الصغائر على الأنبياء بالتأويل والشبهة على ما ذهب إليه شيخنا أبو علي ¦ إنما اقتضاه تفسيره لآيه آدم والشجرة وتكلفه إخراجها عن تعمد آدم للعصيان فقال إن آدم نهي عن نوع تلك الشجرة لا عن عينها بقوله تعالى {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}⁣[البقرة: ٣٥] وأراد سبحانه نوعها المطلق فظن آدم أنه أراد خصوصية تلك الشجرة بعينها وقد كان أشير إليها فلم يأكل منها بعينها ولكنه أكل من شجرة أخرى من نوعها فأخطأ في التأويل وأصحاب شيخنا أبي هاشم لا يرضون هذا المذهب ويقولون إن الإشكال باق بحاله لأن آدم أخل بالنظر على