القول في عصمة الأنبياء
  أما قوله تعالى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ}[طه: ١٢١] فإن المعصية مخالفة للأمر والأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب وبالندب معا فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم مندوبا إلى ترك التناول من الشجرة فيكون بمواقعتها تاركا فرضا ونفلا وغير فاعل قبيحا وليس يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصيا كما يسمى بذلك تارك الواجب فإن تسمية من خالف ما أمر به سواء كان واجبا أو نفلا بأنه عاص ظاهر ولهذا يقولون أمرت فلانا بكذا وكذا من الخير فعصاني وخالفني وإن لم يكن ما أمر به واجبا.
  يقال له الكلام على هذا التأويل من وجوه أولها أن ألفاظ الشرع يجب أن تحمل على حقائقها اللغوية ما لم يكن لها حقائق شرعية فإذا كان لها حقائق شرعية وجب أن تحمل على عرف الشرع واصطلاحه كالصلاة والحج والنفاق والكفر ونحو ذلك من الألفاظ الشرعية وهكذا قال السيد المرتضى ¦ في كتابه في أصول الفقه المعروف بالذريعة في باب كون الأمر للوجوب وهو الحق الذي لا مندوحة عنه وإذا كان لفظ العصيان في الاصطلاح الشرعي موضوعا لمخالفة الأمر الإيجابي لم يجز العدول عنه وحمله على مخالفة الندب.
  ومعلوم أن لفظ العصيان في العرف الشرعي لا يطلق إلا على مخالفة الأمر المقتضي للوجوب فالقول بجواز حملها على مخالفة الأمر الندبي قول تبطله وتدفعه تلك القاعدة المقررة التي ثبتت بالاتفاق وبالدليل على أننا قبل أن نجيب بهذا الوجه نمنع أصلا أنه يجوز أن يقال لتارك النفل إنه عاص لا في أصل اللغة ولا في العرف ولا في الشرع وذلك لأن حقيقة النفل هو ما يقال فيه للمكلف الأولى أن تفعل هذا ولك ألا تفعله ومعلوم أن