شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في عصمة الأنبياء

صفحة 15 - الجزء 7

  تارك مثل ذلك لا يطلق عليه أنه عاص ويبين ذلك أن لفظ العصيان في اللغة موضوع للامتناع ولذلك سميت العصا عصا لأنه يمتنع بها ومنه قولهم قد شق العصا أي خرج عن الربقة المانعة من الاختلاف والتفرق وتارك الندب لا يمتنع من أمر لأن الأمر الندبي لا يقتضي شيئا اقتضاء اللزوم بل معناه إن فعلت فهو أولى ويجوز ألا تفعل فأي امتناع حدث إذا خولف أمر الندب سمي المخالف له عاصيا ويبين ذلك أيضا أن لفظ عاص اسم ذم فلا يجوز إطلاقه على تارك الندب كما لا يسمى فاسقا وإن كان الفسق في أصل اللغة للخروج.

  ثم يسأل المرتضى ¦ عما سأل عنه نفسه فيقال له كيف يجوز أن يكون ترك الندب معصية أوليس هذا يوجب أن يوصف الأنبياء بأنهم عصاة في كل حال وأنهم لا ينفكون عن المعصية لأنهم لا يكادون ينفكون من ترك الندب.

  وقد أجاب ¦ عن هذا فقال وصف تارك الندب بأنه عاص توسع وتجوز والمجاز لا يقاس عليه ولا يعدي عن موضعه ولو قيل إنه حقيقة في فاعل القبيح وتارك الأولى والأفضل لم يجز إطلاقه في الأنبياء إلا مع التقييد لأن استعماله قد كثر في فاعل القبائح فإطلاقه عن التقييد موهم.

  لكنا نقول إن أردت بوصفهم بأنهم عصاة أنهم فعلوا القبيح فلا يجوز ذلك وإن أردت أنهم تركوا ما لو فعلوه لاستحقوا الثواب ولكان أولى فهم كذلك.

  كذلك يقال له ليس هذا من باب القياس على المجاز الذي اختلف فيه أرباب أصول الفقه لأن من قال إذا ترك زيد الندب فإنه يسمى عاصيا يلزمه أن يقول إن عمرا إذا ترك الندب يسمى عاصيا وليس هذا قياسا كما أن من قال لزيد البليد هذا