شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في عصمة الأنبياء

صفحة 17 - الجزء 7

  يقال له ألست القائل في مصنفاتك الكلامية إن المندوبات إنما ندب إليها لأنها كالمسهلات والميسرات لفعل الواجبات العقلية وأنها ليست ألطافا في واجب عقلي وأن ثوابها يسير جدا بالإضافة إلى ثواب الواجب فإذا كان آدم # ما أخل بشيء من الواجبات ولا فعل شيئا من المقبحات فقد استحق من الثواب العظيم ما يستحقر ثواب المندوب بالإضافة إليه ومثل هذا لا يقال فيه لمن ترك المندوب إنه قد خاب ألا ترى أن من اكتسب مائة ألف قنطار من المال وترك بعد ذلك درهما واحدا كان يمكنه اكتسابه فلم يكتسبه لا يقال إنه خاب.

  وثالثها أن ظاهر القرآن يخالف ما ذكره لأنه تعالى أخبر أن آدم منهي عن أكل الشجرة بقوله {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ٣٥}⁣[البقرة: ٣٥] وقوله {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ}⁣[الأعراف: ٢٢] وهذا يوجب أنه قد عصى بأن فعل منهيا عنه والشريف المرتضى ¦ يقول إنه عصى بأن ترك مأمورا به.

  قال المرتضى ¦ مجيبا عن هذا إن الأمر والنهي ليسا يختصان عندنا بصيغة ليس فيها احتمال واشتراك وقد يؤمر عندنا بلفظ النهي وينهى بلفظ الأمر وإنما يكون النهي نهيا بكراهة المنهي عنه فإذا قال تعالى {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}⁣[البقرة: ٣٥] ولم يكره قربهما لم يكن في الحقيقة ناهيا كما أنه تعالى لما قال {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}⁣[فصلت: ٤٠] {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}⁣[المائدة: ٢] ولم يرد ذلك لم يكن أمرا به وإذا كان قد صحب قوله {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}⁣[البقرة: ٣٥] إرادة ترك التناول وجب أن يكون هذا القول أمرا وإنما سماه منهيا وسمى