شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

102 - ومن خطبة له #

صفحة 107 - الجزء 7

  ثم ذكر أن ما هو كائن وموجود من الدنيا سيصير عن قليل أي بعد زمان قصير معدوما والزمان القصير هاهنا انقضاء الأجل وحضور الموت.

  ثم قال إن الذي هو كائن وموجود من الآخرة سيصير عن قليل أي بعد زمان قصير أيضا كأنه لم يزل والزمان القصير هاهنا هو حضور القيامة وهي وإن كانت تأتي بعد زمان طويل إلا أن الميت لا يحس بطوله ولا فرق بين ألف ألف سنة عنده إذا عاد حيا وبين يوم واحد لأن الشعور بالبطء في الزمان مشروط بالعلم بالحركة ويدل على ذلك حال النائم ثم قال كل معدود منقض وهذا تنبيه بطريق الاستدلال النظري على أن الدنيا زائلة ومنصرفة وقد استدل المتكلمون بهذا على أن حركات الفلك يستحيل ألا يكون لها أول فقالوا لأنها داخلة تحت العدد وكل معدود يستحيل أن يكون غير متناه والكلام في هذا مذكور في كتبنا العقلية.

  ثم ذكر أن كل ما يتوقع لا بد أن يأتي، وكل ما سيأتي فهو قريب وكأنه قد أتى، وهذا مثل قول قس بن ساعدة الإيادي ما لي أرى الناس يذهبون ثم لا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا أقسم قس قسما إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا سقف مرفوع ومهاد موضوع ونجوم تمور وبحار لا تغور اسمعوا أيها الناس وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت: وَمِنْهَا اَلْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضِ اَلرِّجَالِ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى لَعَبْداً وَكَلَهُ اَللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ جَائِراً عَنْ قَصْدِ اَلسَّبِيلِ سَائِراً بِغَيْرِ