شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله

صفحة 220 - الجزء 1

  في الليل المقداد، وسلمان، وأبا ذر، وعبادة بن الصامت، وأبا الهيثم بن التيهان، وحذيفة، وعمارا، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين.

  وبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فأرسلا إلى أبي عبيدة وإلى المغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي، فقال المغيرة: الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذه الإمرة نصيبا ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب #.

  فانطلق أبوبكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة حتى دخلوا على العباس، وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله ÷، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه وقال: إن الله ابتعث لكم محمدا ÷ نبيا، وللمؤمنين وليا، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم حتى اختار له ما عنده فخلى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين، فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا فتوليت ذلك، وما أخاف بعون الله وتسديده وهنا ولا حيرة ولا جبنا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين يتخذكم لجأ، فتكونون حصنه المنيع، وخطبه البديع، فإما دخلتم فيما دخل فيه الناس أو صرفتموهم عما مالوا إليه، فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا، ولمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله ÷ وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله ÷ ومكان أهلك، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم وعلى رسلكم بني هاشم، فإن رسول الله ÷ منا ومنكم.

  فاعترض كلامه عمر وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته، فقال: إي، والله وأخرى إنا لم نأتكم حاجة إليكم ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم ولعامتهم ثم سكت.