شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

108 - ومن خطبة له #

صفحة 222 - الجزء 7

  أولها: الإيمان بالله وبرسوله ويعني بالإيمان هاهنا مجرد التصديق بالقلب مع قطع النظر عما عدا ذلك من التلفظ بالشهادة ومن الأعمال الواجبة وترك القبائح وقد ذهب إلى أن ماهية الإيمان هو مجرد التصديق القلبي جماعة من المتكلمين وهو وإن لم يكن مذهب أصحابنا فإن لهم أن يقولوا إن أمير المؤمنين # جاء بهذا اللفظ على أصل الوضع اللغوي لأن الإيمان في أصل اللغة هو التصديق قال سبحانه وتعالى {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ١٧}⁣[يوسف: ١٧] أي لست بمصدق لنا لا إن كنا صادقين ولا إن كنا كاذبين ومجيئه # به على أصل الوضع اللغوي لا يبطل مذهبنا في مسمى الإيمان لأنا نذهب إلى أن الشرع استجد لهذه اللفظة مسمى ثانيا كما نذهب إليه في الصلاة والزكاة وغيرهما فلا منافاة إذا بين مذهبنا وبين ما أطلقه #.

  وثانيها الجهاد في سبيل الله وإنما قدمه على التلفظ بكلمتي الشهادة لأنه من باب دفع الضرر عن النفس ودفع الضرر عن النفس مقدم على سائر الأعمال المتعلقة بالجوارح والتلفظ بكلمتي الشهادة من أعمال الجوارح وإنما أخره عن الإيمان لأن الإيمان من أفعال القلوب فهو خارج عما يتقدم عليه ودفع الضرر من الأفعال المختصة بالجوارح وأيضا فإن الإيمان أصل الجهاد لأنه ما لم يعلم الإنسان على ما ذا يجاهد لا يجاهد وإنما جعله ذروة الإسلام أي أعلاه لأنه ما لم تتحصن دار الإسلام بالجهاد لا يتمكن المسلمون من القيام بوظائف الإسلام فكان إذا من الإسلام بمنزلة الرأس من البدن.

  وثالثها كلمة الإخلاص يعني شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله قال فإنها الفطرة يعني هي التي فطر الناس عليها والأصل الكلمة الأولى لأنها التوحيد وعليها فطر البشر كلهم والكلمة الثانية تبع لها فأجريت مجراها وإنما أخرت