شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

113 - ومن خطبة له #

صفحة 257 - الجزء 7

  صرت بين الورى غريبا كما أنك تحت الثرى وحيد غريب فإن قلت ما وجه تقسيمه # الأمور التي عددها إلى الفناء والعناء والغير والعبر قلت لقد أصاب الثغرة وطبق المفصل ألا تراه ذكر في الفناء رمي الدهر الإنسان عن قوس الردى وفي العناء جمع ما لا يأكل وبناء ما لا يسكن وفي الغير الفقر بعد الغنى والغنى بعد الفقر وفي العبر اقتطاع الأجل الأمل فقد ناط بكل لفظة ما يناسبها.

  وقد نظر بعض الشعراء إلى قوله # ليس شيء بشر من الشر إلا عقابه وليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه فقال

  خير البضائع للإنسان مكرمة ... تنمي وتزكو إذا بارت بضائعه

  فالخير خير وخير منه فاعله ... والشر شر وشر منه صانعه

  إلا أن أمير المؤمنين # استثنى العقاب والثواب والشاعر جعل مكانهما فاعل الخير والشر.

  ثم ذكر أن كل شيء من أمور الدنيا المرغبة والمرهبة سماعه أعظم من عيانه والآخرة بالعكس وهذا حق أما القضية الأولى فظاهرة وقد قال القائل

  اهتز عند تمني وصلها طربا ... ورب أمنية أحلى من الظفر

  ولهذا يحرص الواحد منا على الأمر فإذا بلغه برد وفتر ولم يجده كما كان يظن في اللذة ويوصف لنا البلد البعيد عنا بالخصب والأمن والعدل وسماح أهله وحسن نسائه وظرف رجاله فإذا سافرنا إليه لم نجده كما وصف بل ربما وجدنا القليل من ذلك ويوصف لنا الإنسان الفاضل بالعلم بفنون من الآداب والحكم ويبالغ الواصفون في ذلك فإذا اختبرناه وجدناه دون ما وصف وكذلك قد يخاف الإنسان حبسا أو ضربا أو نحوهما فإذا