شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

150 - ومن خطبة له # ويومئ فيها إلى الملاحم

صفحة 136 - الجزء 9

  يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ}⁣[الكهف: ٧٧] فالعامل في الظرف استطعما ويجب أن يكون استطعامهما وقت إتيانهما أهلها لا محالة ولا يجب أن تكون جميع الأفعال المذكورة المعطوفة واقعة حال الإتيان أيضا ألا ترى أن من جملتها فأقامه ولم يكن إقامة الجدار حال إتيانهما القرية بل متراخيا عنه بزمان ما اللهم إلا أن يقول قائل أشار بيده إلى الجدار فقام أو قال له قم فقام لأنه لا يمكن أن يجعل إقامة الجدار مقارنا للإتيان إلا على هذا الوجه وهذا لم يكن ولا قاله مفسر ولو كان قد وقع على هذا الوجه لما قال له {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ٧٧}⁣[الكهف: ٧٧] لأن الأجر إنما يكون على اعتمال عمل فيه مشقة وإنما يكون فيه مشقة إذا بناه بيده وباشره بجوارحه وأعضائه.

  واعلم أنا نحمل كلام أمير المؤمنين # على ما يقتضيه سؤدده الجليل ومنصبه العظيم ودينه القويم من الإغضاء عما سلف ممن سلف فقد كان صاحبهم بالمعروف برهة من الدهر فإما أن يكون ما كانوا فيه حقهم أو حقه فتركه لهم رفعا لنفسه عن المنازعة أو لما رآه من المصلحة وعلى كلا التقديرين فالواجب علينا أن نطبق بين آخر أفعاله وأقواله بالنسبة إليهم وبين أولها فإن بعد تأويل ما يتأوله من كلامه ليس بأبعد من تأويل أهل التوحيد والعدل الآيات المتشابهة في القرآن ولم يمنع بعدها من الخوض في تأويلها محافظة على الأصول المقررة فكذلك هاهنا