شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

أبحاث كلامية

صفحة 148 - الجزء 9

  إحداهما الطريقة المذكورة في هذا الفصل وهي طريقة المتكلمين وهي إثبات أن الأجسام محدثة ولا بد للمحدث من محدث.

  والثانية إثبات وجوده تعالى من النظر في نفس الوجود.

  وذلك لأن الوجود ينقسم بالاعتبار الأول إلى قسمين واجب وممكن وكل ممكن لا بد أن ينتهي إلى الواجب لأن طبيعة الممكن يمتنع من أن يستقل بنفسه في قوامه فلا بد من واجب يستند إليه وذلك الواجب الوجود الضروري الذي لا بد منه هو الله تعالى.

  وثانيها إثبات أزليته وبيانه ما ذكره في هذا الفصل وهو أن العالم مخلوق له سبحانه حادث من جهته والمحدث لا بد له من محدث فإن كان ذلك المحدث محدثا عاد القول فيه كالقول في الأول ويتسلسل فلا بد من محدث قديم وذلك هو الله تعالى.

  وثالثها أنه لا شبيه له أي ليس بجسم كهذه الأجسام وبيانه ما ذكر أيضا أن مخلوقاته متشابهة يعني بذلك ما يريده المتكلمون من قولهم الأجسام متماثلة في الجسمية وأن نوع الجسمية واحد أي لا يخالف جسم جسما بذاته وإذا كانت متماثلة صح على كل واحد منها ما صح على الآخر فلو كان له سبحانه شبيه منها أي لو كان جسما مثلها لوجب أن يكون محدثا كمثلها أو تكون قديمة مثله وكلا الأمرين محال.

  ورابعها أن المشاعر لا تستلمه وروي لا تلمسه والمشاعر الحواس وبيانه أنه تعالى ليس بجسم لما سبق وما ليس بجسم استحال أن تكون المشاعر لامسة له لأن إدراك المشاعر مدركاته مقصور على الأجسام وهيئاتها والاستلام في اللغة لمس الحجر باليد وتقبيله ولا يهمز لأن أصله من السلام وهي الحجارة كما يقال استنوق الجمل وبعضهم يهمزه