شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

152 - ومن خطبة له #

صفحة 149 - الجزء 9

  وخامسها أن السواتر لا تحجبه وبيانه أن السواتر والحجب إنما تحجب ما كان في جهة وذلك لأنها ذوات أين ووضع فلا نسبة لها إلى ما ليس من ذوات الأين والوضع.

  ثم قال # لافتراق الصانع والمصنوع إشارة إلى أن المصنوع من ذوات الجهة والصانع منزه عن ذلك بريء عن المواد فلا يلزم فيه ما يلزم في ذوات المادة والجهة.

  وسادسها معنى قولنا إنه أحد أنه ليس بمعنى العدد كما يقوله الناس أول العدد أحد وواحد بل المراد بأحديته كونه لا يقبل التجزؤ وباعتبار آخر كونه لا ثاني له في الربوبية.

  وسابعها أنه خالق لا بمعنى الحركة والنصب وهو التعب وذلك لأن الخالقين منا يحتاجون إلى الحركة من حيث كانوا أجساما تفعل بالآلات والبارئ سبحانه ليس بجسم ولا يفعل بالآلة بل كونه قادرا إنما هو لذاته المقدسة لا لأمر زائد عليها فلم يكن فاعلا بالحركة.

  وثامنها أنه سميع لا بأداة وذلك لأن حاجتنا إلى الحواس إنما كانت لأمر يخصنا وهو كوننا أحياء بحياة حالة في أبعاضنا والبارئ تعالى حي لذاته فلم يحتج في كونه مدركا إلى الأداة والجارحة.

  وتاسعها أنه بصير لا بتفريق آلة والمراد بتفريق الآلة هاهنا الشعاع الذي باعتباره يكون الواحد منا مبصرا فإن القائلين بالشعاع يقولون إنه يخرج من العين أجسام لطيفة هي الأشعة وتكون آلة للحي في إبصار المبصرات فيتفرق عليها فكل جسم يقع عليه ذلك الشعاع يكون مبصرا والبارئ تعالى بصير لا بشعاع يجعله آلة في الإدراك ويتفرق على المرئيات